اخبار جهة مراكش | الإثنين 2 أبريل 2018 - 13:43

الرسالة الملكية الموجهة للمشاركين في المؤتمر الدولي لاستقلال القضاء بمراكش

  • Whatsapp

وجه الملك محمد السادس رسالة سامية الى المشاركين في المؤتمر الدولي للعدالة في نسخته الاولى والمنعقد بمدينة مراكش يومه الاثنين 2 ابريل الى غاية بعج غد الاربعاء.
وفيما يلي نص الرسالة الملكية:
أصحاب المعالي والسعادة
حضرات السيدات والسادة
قد يعجز اللسان أحيانا عن وصف ما يجيش في القلب من أحاسيس الغبطة و دواعي السعادة ، و تُحس النفس بالتقصير في التعبير عما يُخالجها من مشاعر البهجة والسرور، ولَرُبّما كان هذا الاحساس بالعجز أَبْلَغَ من التَّعبير نَفْسِهِ، لأن ما نَعيشه الآن من لحظاتٍ هي أجَلُّ وأكبرُ من أن يُحيط بوصفها لسان، أو يُعربَ عنها بيان، وكيف لا و قد اجتمعت في هذا المؤتمر شخصيات فذة من عُيون العدالة وقِمَمُ القضاء من شتى القارات و مختلف الثقافات، فَوْقَ أَدِيمِ مراكش الحمراء التي تَسَرْبَلَتْ في هذا الفصل الجميل بأبهى حُلة، لتبعث لكل ضيوفها الاعزاء برسالة مِلؤها السلامُ من أرض المحبة والسلام ، أرضِ التعايش و الوئام، أرضِ الايمان بكرامة الانسان وبالقيم الكونية للعدل والحرية، فأهلا وسهلا بكم في المملكة المغربية، في بلدكم الثاني الذي أرجو لكم فيه طيب المقام، شاكرا لكم التفضل بتلبية دعوة الحضور التي نعتبرها شَرَفاً طَوَّقْتُم به أعناقنا، مُمْتنا لكم على ما أبديتموه إزاءها من تجاوب تلقائي، يؤكد عمق أواصر الصداقة التي تربطكم بهذا البلد الذي يُبادلُكم الاحساس بالحب الصادق و المودة الخالصة. حضرات السيدات والسادة، يولد الانسان فتنشأ فيه صفات شتى، و يكتسب طبائع مختلفة، لكنه يولد دائما وإحساسُه بالعدالة هو إبرة الشمال من كيانه، يتوجه نحوها بفطرته المجبول عليها كما تَتَّجِهُ إِبْرَةُ البوصلة دوما إلى ذات الاتجاه حيثما وُضعت.
لذلك فاختيار العدالة لتكون محور هذا المؤتمر يُكسبه خصوصية تُتًرْجِمُها الرعاية الملكية السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله، ويعكسها التنظيم المشترك لها بين وزارة العدل والمجلس الأعلى للسلطة القضائية و رئاسة النيابة العامة، ويَشهد لها الحضور الوازن المتميز لهذه الاهرامات القانونية والقضائية الشامخة و القامات الفكرية والثقافية السامقة، التي وفدت من كل حَدَب وصوب، تحذوها رغبة أكيدة في تبادل الخبرات وتقاسم التجارب، و تداول الأفكار و الرؤى والتصورات التي تزداد اغتناء باختلاف الانظمة القضائية، و تعدد الأنساق الثقافية، و تَبَايُنِ المرجعيات الفكرية، في عالَمٍ مَليءٍ بالتّحديات، توّاقٍ إلى استشراف مستقبلٍ أساسُه، إعلاءُ شأن الانسان، وحفظُ كرامته، و ضمانُ حريته وصَوْنُ حُقوقه. فالعالَم الذي وصفه الكَنَدِيُّ “هِرْبِرْتْ مَارْشَالْ مَكْلُوهَانْ” بأنه قريةٌ صغيرةٌ، صار اليومَ بَيْتاً ليست له أبوابٌ تَمْنعُ من وُلُوجِه، وليست له جُدرانٌ تَعُوق رؤية ما يجري فيه، ونحن، باعتبارنا من ساكني هذا البيت، مطالبون على الدوام بالانفتاح على بعضنا، و التواصل في ما بَيْنَنَا، و تكثيفِ الجهود وتوحيدها من أجل مواجهة كل الرهانات التي تُجابِه العدالة في بُعْدَيْها المحلي والدولي. لذلك ترسخت قناعتنا في أن هذا المؤتمر الدولي الذي نحضر اليوم جميعا دورته التأسيسية الأولى، ينبغي أن يصير محطة دائمة يتمُّ عَبْرَهَا دوريا مطارحةُ كُبرياتِ القضايا والاسئلة التي تستأثر باهتمام رجال العدالة والقضاء في المعمور، ومنتدًى دَوْلِياً تتجدد فيه المواضيع المعالَجَةُ كل سنة، و يتوفر فيه بانتظام للمؤتمِرِينَ، فضاءٌ مُبدعٌ وخلاقٌ لمقاربتها وتَلَمُّسِ الحلول الناجعة لها، من خلال تقاسُم التّجارب المتميزة في مختلف الأنظمة القضائية، و استثمار الممارسات الفضلى التي أبانت عنها تلكم التجارب. و أكيد أن اختيار مكان و زمان انعقاد هذا المؤتمر الدولي، لم يأت اعتباطا، فتباشير الربيع تبعث في النفوس بهجة الحياة ونور الأمل، اللذين نحتاجهما باستمرار في ترشيد نظرتنا للأمور المُشْكِلَة، كما أنَّ الأسبوع الأول من أبريل يُشكل علامة فارقة في تاريخ منظومة العدالة ببلادنا، لأنه شهد السنة الفارطة في السادس من أبريل 2017، مولد المجلس الاعلى للسلطة القضائية الذي أعقبه استقلال النيابة العامة عن وزارة العدل. لذلك، فاختيار هذا الموعد هو تَيَمُّنٌ بهذا الميلاد، و استحضارٌ لرمزية تنصيب أعضاء المجلس من طرف صاحب الجلالة الملك محمد السادس حفظه الله ، الذي يقود، بعزم وحزم، مسيرة الاصلاحات الكبرى بالمملكة.
حضرات السيدات والسادة، تتعدد الاوراش المفتوحة في مغرب اليوم، وهي بحجم آمال هذا الشعب الذي يسعى بإصرارٍ إلى احتلال الموقع اللائق به بين الأمم، بالنظر إلى ماضيه المجيد وتاريخه التَّلِيد، ويأتي في مقدمة تلكم الاوراش، ورش إصلاح منظومة العدالة التي أشرف عليه جلالة الملك حفظه الله شخصيا، فَوَضَعَ تَصَوُّرَهُ، وَرَسَمَ مَسَارَهُ، وعَبَّدَ طَرِيقَهُ، و ضَمِنَ نجاحه، إذ بمناسبة عيد العرش لسنة 2008 بادر جلالة الملك نصره الله إلى التأكيد على بلورة مخطط لإصلاح القضاء بقوله ” ولهذه الغاية ندعو حكومتنا للانكباب على بلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق، بقضاء ينبثق من حوار بناء، وانفتاح واسع على جميع الفعاليات المؤهلة المعنية، مؤكدين بصفتنا ضامنا لاستقلال القضاء حرصنا على التفعيل الأمثل لهذا المخطط من أجل بلوغ ما نتوخاه للقضاء من تحديث و نجاعة، في إطار من النزاهة و التجرد و المسؤولية ” نهاية الاستشهاد بكلام جلالة الملك. لقد كان إصلاح منظومة العدالة ببلادنا حلما راود كل أطياف المجتمع، وأَجْمَعَتْ على ضرورته كل فئاته على اختلاف مَرْجعياتها وتباينِ قناعاتها، لذلك جاءت مُخرجاته حُبلى بالتصورات التي كانت مَحَلَّ توافقٍ أحيانا، و محل تَجاذُب أحيانا أخرى، وتَمَّ تضمينُها في ميثاقٍ رُفعت توصياتُه إلى جلالة الملك نصره الله ضِمن ستة محاور تتوخى : أولا: توطيد استقلالية السلطة القضائية؛
ثانيا: تخليق منظومة العدالة؛
ثالثا: تعزيز حماية القضاء للحقوق والحريات؛
رابعا: الارتقاء بفعالية ونجاعة القضاء؛
خامسا: إنماء القدرات المؤسساتية لمنظومة العدالة؛
سادسا: تحديث الإدارة القضائية وتعزيز حكامتها.