اخبار جهة مراكش | الإثنين 24 سبتمبر 2018 - 11:28

مركز عناية يفتتح موسمه الثقافي الجديد بدرس حول “الوسائل البديلة لحل المنازعات في إطار مسلسل إصلاح القضاء” بمراكش

  • Whatsapp

نظم مركز عناية أمس درسا افتتاحيا برسم موسمه الثقافي الجديد، ألقته الأستاذة نجاة المغرواي مديرة الهيئة الدولية للتحكيم والعلوم القانونية، في موضوع “الاعتماد على الوسائل البديلة لحل المنازعات في إطار مسلسل إصلاح القضاء”.

وجاء في تقديم رئيس مركز عناية مصطفى غلمان “أن إعادة النظر في أساليب تحصين العدالة من الضغط وطول الانتظار والحسم في آليات التنفيذ القضائي، رهين بالأدوار الجديدة التي يراهن عليها المشرع المغربي، في إمكانية التحسيس بمدى أهمية الوسائل البديلة لحل النزاعات” مضيفا” أن تثمين روح القانون فيما يخص الرهان على إيلاء الأهمية للوساطة والتحكيم يبشر باندماج مستقبلي للعدالة المنصفة والتوافقية، كما أن العدالة بحاجة ماسة إلى تفعيل وسائل هي بالأحرى جزء من كيان الأمة وعمود فقري لحضارتها وثقافتها”.

وفي كلمة تأطيرية للأستاذ النقيب مولاي عبداللطيف احتيتيش ألقاها بالمناسبة، تحدث الأخير عن حل النزاعات بالبدائل والأدوات القضائية الجديدة، بعد أن قام بسرد تاريخها وجذورها الممتدة عبر سيرورات وتقاطعات، معبرا عن اندهاشه من الثورة الحديثة التي أضاءت محاكم الغرب طيلة عقود عديدة، حيث اندمجت منظومة العدالة في أمريكا مثلا في الواقع والمعيش، وأصبح جزءا من ثقافته وتربيته.

ودعا النقيب احتيتيش إلى تحقيق قوة هذا الرهان وإدماجه ضمن عمليات تدبير إصلاح شامل لقطاع العدالة والقضاء ببلادنا، منوها بالمشرع المغربي الذي أدمج بموجب قانون رقم 05/ 08 الصادر بالظهير الشريف المؤرخ في 30 نونبر 2007 المعدل لقانون المسطرة المدنية، حيث أفضى من خلاله إلى تمكين الأطراف المتنازعة إلى آلية تخول اختيار وسيط لحل منازعاتهم واختيار مسطرة الوساطة بشكل تفاوضي.

العرض القيم الذي ألقته الأستاذة الخبيرة نجاة المغراوي جاء ليدعم الكلمة التأطيرية، وينفتح على جملة أسئلة راهنية:

* تفضيل القانون المغربي للآليات المتحدث عنها كخطوة أولى لتبني الوساطة الاتفاقية دون الوساطة الإجبارية أو القضائية.

* سرد العديد من مقتضيات القانون إياه وطرح مجموعة من تعقيداته.

* الحدود التي استطاع المشرع المغربي من خلالها التأسيس لآليات الوساطة الاتفاقية بمقتضيات تشجيع اللجوء إليها عوض القضاء.

* ثم الشروط الواجب توفرها إنجاح الوساطة الاتفاقية وأهم التقييدات في الوساطة الاتفاقية للقضاء.

كما عرجت المغراوي إلى تسليط الضوء على الإطار القانوني للجوء الدولة وأشخاص القانون العام إلى التحكيم والوساطة، مختتمة بسؤال مصيري هام، حول  كفايةالقوانين المنظمة للتحكيم لجعل المغرب يعتمد على هذه الوسيلة في حل المنازعات الإدارية بالشكل الذي اعتمدته دول جد متطورة في هذا المجال كمصر مثلا أم أن هذه القوانين لم تفعل التحكيم وجعلت دوره محدودا في حل المنازعات الإدارية كما هو الشأن بالنسبة لفرنسا.

وفي تدخل علمي لتوجيه النقاش في المفاهيم الأساسية المترتبة عن نتائج الحوار المفتوح في اللقاء، أنار المحامي ميلود لغدش رئيس اللجنة المغربية للاتحاد الدولي للمحامين بباريس جوانب أساسية في المقارنات بين التحكيم والوساطة الاتفاقية. فمفهوم التحكيم القانوني  يكرسنزول أطراف النزاع عن الالتجاء إلى قضاء الدولة والتزامهم بطرح النزاع على محكم أو أكثر لحسم النزاع بحكم ملزم ، وهو يقوم على فكرة أساسية وهي إعطاء الحق للأطراف في نزاع ما في الاتفاق فيما بينهم على استبعاد قضاء الدولة في حل منازعاتهم وإخضاعها لقضاة يختارونهم بأنفسهم ، ويرضون طوعا بالانصياع للأحكام الصادرة عنهم .  كما تتجلى أهمية التحكيم بالنسبة للأفراد في سرعة البث في النزاع وفي سرية جلساته وفي عدم نشر أحكامه، وبالنسبة للسلطات العمومية في كونه يخفف العبء على المحاكم ويشكل أداة مهمة لجلب الاستثمار.

في حين يمكن إبرام اتفاق الوساطة قبل أو بعد نشوء النزاع ، فقبل نشوء النزاع يكون التنصيص عليه في الاتفاق الأصلي ويسمى حينئذ «عقد الوساطة» ، ويمكن إبرام هذا الاتفاق حتى في الحالة التي تكون فيها المسطرة القضائية جارية أمام المحكمة ، إذ يحتاج الأمر فقط إلى إخبار المحكمة المعنية وفي أقرب الآجال لوقف المسطرة . ولكي يكون اتفاق الوساطة صحيحا ومرتبا لأثاره القانونية يلزم توفره على مجموعة من الشروط، من بينها :

* الكتابة إما بعقد رسمي أو عرفي وإما بمحضر يحرر أمام المحكمة.

* تحديد مجموعة من البيانات تخص: تحديد موضوع النزاع، تعيين الوسيط أو التنصيص على طريقة تعيينه.

وجاءت كلمة الأستاذ النقيب عمر أبو الزهور لتكمل وتؤثث أوجه الاختلاف بين التحكيم والوساطة الاتفاقية. وموقف التشريعات المقارنة من لجوء أشخاص القانون العام إلى التحكيم. وتجربة التشريع الفرنسي في هذا المجال. مدللا بكون التحكيم الفرنسي نظام استثنائي للتقاضي يجوز بموجبه للدولة وباقي أشخاص القانون العام الأخرى إخراج بعض المنازعات الإدارية الناشئة عن علاقة قانونية عقدية أو غير عقدية ، وطنية كانت أو أجنبية من ولاية القضاء الإداري لكي تحل بطريق التحكيم بناء على نص قانوني يجيز ذلك . وقد عاد النقيب أبو الزهور ليضرب أمثلة كثيرة في مضمار بناء ثقافة وخلق تقاليد قادرة على مواجهة صعاب العصر، قائلا ” إن العدالة بحاجة ماسة إلى مواصلة البحث عن وسائل بديلة وإضافية لأجل الرفع من مستوى نصرة الفكرة الإنسانية في أبعادها القيمية الكبرى القائمة على التصالح والتسامح والسلم الجماعي”.

وفي نهاية اللقاء جرى نقاش عميق بين جميع المتدخلين والحضور، الذي أغنى دفة الدرس وأوصى بتثمين مثل هذه المواضيع المغيبة في برامج الهيئات المعنية.