اخبار جهة مراكش | السبت 21 سبتمبر 2019 - 00:41

النقيب صادوق: “لم يكن استقلال السلطة القضائية أبدا طلبا لامتياز، بل شكل حقا وواجبا لفائدة المتقاضين”

  • Whatsapp

تنفرد “مراكش الآن” بنشر الكلمة الكاملة للنقيب إبراهيم صادوق رئيس الهيئة الوطنية للعدالة في افتتاح الندوة الوطنية عن
“استقلال السلطة القضائية – الآليات والرهانات”، عصر اليوم  الجمعة 20 شتنبر، برحاب كلية الحقوق بمراكش.

وجاءت الكلمة الترحيبية للاستاذ ابراهيم صادوق على الشكل التالي:

“الحمد لله والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
وبعد، فيطيب لي أن أعبر للحضور الكريم عن مشاعر اعتزازي، ونحن في الهيئة الوطنية للعدالة، نشارككم أشغال هذه الندوة الوطنية المتميزة المنعقدة بمدينة مراكش، أرض اللقاءات الكبرى عبر التاريخ ونموذج مغرب الانفتاح والأصالة، مغرب التنمية والقيم الحضارية الكبرى.
فكل الشكر والثناء للسيد رئيس مكتب الودادية الحسنية للقضاة والسيد عميد كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش والسيدة رئيسة المرصد الوطني للأبحاث الجنائية والحكامة الأمنية وكل من ساهم في إعداد وتنظيم هذه الندوة الوطنية.
مع ترحيب خاص بالسادة القضاة الأماجد والسادة النقباء الأفاضل وكل الزميلات والزملاء المحامين الذين يمثلون نخبة وصفوة أسرة الدفاع.
والشكر والترحيب موصول لكل السادة المتدخلين الأساتذة رفيعي المستوى الذين سيُغْنونَ بفيض علمهم ورصيد تجربتهم المهنية أشغال هذه الندوة، وسيفتحون أمامنا بكل تأكيد آفاقا للإنصات والتفكير، وسيطرحون تصورات واقتراحات عملية جادة ستُغْنـي تجربتنا وستدعم الأوراش الإصلاحية التي انخرط المغرب منذ مدة في تفعيلها وتطويرها.
الحضور الكريم
لقد اختار المغرب التقدم نحو المستقبل بهمة عالية مستلهما رصيده التاريخي، عبر الوقوف على أرضية حاضر قوي متوازن يتحمل فيه الجميع مسؤوليته الوطنية من سبيل عدالة مستقلة قوية منفتحة وشفافة.
وقد شكل يوليوز 2011 محطة حاسمة في تاريخ جميع المؤسسات من خلال تصويت المغاربة بالموافقة على دستور جاء في إطار مقاربة تشاركية ساهمت فيها كل القوى السياسية والفعاليات الحقوقية والمهنية والمجتمع المدني، وأكد فيها المغاربة مستوى النضج الذي وصلوا إليه بعد سنوات من الإصلاحات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحقوقية التي جعلت من المغرب وبكل موضوعية قِبْلَةً دولية للاستثمار ومَعْبَرا أساسيا للتواصل بين القارات ومدخلا استراتيجيا للعمق الإفريقي ونموذجا للمقاربة التشاركية في وضع مخططات الإصلاح وتنزيله.
ومن حسنات هذا الدستور انتسابه إلى الأجيال الجديدة التي تعرف بدساتير الحقوق، التي أحاطها بضمانات مؤسساتية متعددة مرتقيا من خلالها بالقضاء إلى سلطة مستقلة بآليات مختلفة وتفاصيل دقيقة تؤكد على محورية هذه السلطة في حماية هذه الحقوق والحريات وعلى دورها في التطبيق العادل للقانون وإصدار الأحكام داخل آجال معقولة في ظل حكامة عادلة تعزز المساواة وتقر المناصفة وتؤدي إلى تخليق الحياة العامة عن طريق ربط المسؤولية بالمحاسبة والسهر على إلزام الجميع باحترام أحكامها وتنفيذ قراراتها. والقصد من كل ذلك التنبيه على أن دستور 2011 يشكل مرجعا أساسيا ضمن مرجعيات الخطاب حول استقلال السلطة القضائية وآلياتها ورهاناتها.
لقد تأسست السلطة القضائية بمجلس أعلى منذ 03 أبريل 2017. وحملت منذ لحظة التأسيس رؤية استراتيجية واضحة في سبيل ترسيخ الثقة وتحقيق الأمن القضائي بأبعاده المختلفة وتجلياته المتنوعة.
وشكلت تجربة متميزة متفردة عَبَّرَ المنتظم الدولي عن اهتمامه الكبير بتفاصيلها وتنويهه بالأشواط الثابتة التي قطعتها، إذ تم تنصيب هذا المجلس بتركيبته المتنوعة واختصاصاته المتعددة وأدواره المجتمعية الكبرى وروحه الإصلاحية العميقة.
وقد عرفت هذه التجربة لحظة رمزية تاريخية قوية، يوم 6 أكتوبر 2017، بتسليم رئاسة النيابة العامة لمؤسسة الوكيل العام للملك لدى محكمة النقض، وإحداث هيئة مشتركة مع وزارة العدل لتنسيق الجهود وتفعيل مبدأ تعاون السلط خدمة للعدالة وللمتقاضين على الصعيد الوطني.
الحضور الكريم
تقتضي الأمانة والنزاهة الاعتراف بأن المحامين المغاربة، على امتداد تاريخهم المجيد، كانوا في طليعة المساهمين في هذا الورش الإصلاحي الهام والمدافعين عن استقلال السلطة القضائية معبرين، في كثير من المحطات والمناسبات، عن إيمانهم العميق بضرورة تحقيق هذا المطلب كخيار أساسي ومنطلق ضروري لترسيخ دولة القانون والمؤسسات، ومؤكدين في الوقت ذاته على الترابط العضوي الوثيق بين استقلال السلطة القضائية واستقلال المحاماة.
وقد أتاحت لنا هذه الفسحة الزمنية الوجيزة فرصة ترسيخ علاقة التكامل والامتداد القانوني والواقعي والتاريخي بين القضاء والمحاماة، من خلال عديد الاجتماعات واللقاءات والندوات والشراكات والمؤتمرات سواء ذات البعد الوطني أو الدولي، و التي شكلت فضاء لتقريب وجهات النظر وإيجاد حلول عملية للإشكالات المهنية والقضائية في أجواء أسرية سليمة بما يدعم استقلالهما ونجاعتهما .
كما عمل الجميع على تطوير الإدارة القضائية، واتخاذ عديد الإجراءات والتدابير التنظيمية في سبيل الوصول إلى محكمة رقمية ذات خدمات جيدة، وهو ما سيعطي بكل تأكيد لاستقلال القضاء والمحاماة مغزاه وجدواه الحقيقي.
لم يكن استقلال السلطة القضائية أبدا طلبا لامتياز، بل شكل حقا وواجبا لفائدة المتقاضين، يرتكز على ضرورة توفير الضمانات الأساسية للقائمين عليه، ويلزمنا بقواعد المساءلة والمحاسبة والتقيد بالضوابط القانونية والقيم الأخلاقية. استقلال يكون وسيلة لتحقيق ما نؤمن به جميعا وهو العدل في تجلياته السامية والأمن في أبعاده الواقعية المتعددة.
الحضور الكريم
يتأكد مما سبق أن المحاماة شريك أساسي للقضاء في تحمل مسؤولية إحقاق الحقوق ورفع المظالم في ظل عولمة شرسة تُلْزِمُ المحامين بالقدرة على التكيُّف مع كل المتغيرات ومواكبة التطورات التشريعية والقضائية وجعل المحاماة الشريفة شريكة للعدالة النزيهة في تحقيق الحكامة الجيدة.
وتتطلع مجتمعات اليوم إلى التطبيق العادل للقانون في أفق تحصين وتعزيز الحقوق الفردية والجماعية وحل مشكلات الأفراد والجماعات. وتعتمد الحكومات من جهتها وبصورة متزايدة على القانون في تنظيم المصالح والحقوق، وبتعاظم دور القانون يتزايد دور المحامين على طريق السعي لتحسين النظم القانونية والمهارات المهنية التي تمكن المحامي من تقريب العدالة للناس وعرض قضاياهم على القضاء وتعزيز فهمهم لدور القانون في المجتمع.
وذلكم جزء من أهداف هذه الندوة التي تطمح كذلك إلى بناء جسور الثقة والعمل المشترك الجاد في سبيل ترسيخ استقلال حقيقي لجناحي العدالة: القضاء والمحاماة، وضمان ممارسات فضلى تعطي لهذا الاستقلال روحه وتحقق كل غاياته، إذ نؤمن جميعا أن القضاء المستقل المنصف القوي ضمانة أساسية للحفاظ على استقلال مهنة المحاماة وعلى نجاعتها.
مرحبا بالجميع، وكل المتمنيات أن تكلل أشغالكم بالتوفيق والنجاح.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
مراكش 20 شتنبر 2019