اخبار جهة مراكش | الإثنين 14 أكتوبر 2019 - 14:03

اعلاميون وخبراء وفاعلات جمعويات يناقشون دور النساء المغربيات في الحفاظ على التراث المادي واللامادي بمراكش

  • Whatsapp

استعرض الإعلامي القيدوم محمد العمراني أمين، مختلف أوجه مايزخر به المغرب من تنوع حضاري، وذلك خلال محاضرته بفعاليات الندوة الفكرية التواصلية، حول”دور النساء المغربيات في الحفاظ على التراث المادي واللامادي” بالملتقى الجهوي الثامن لفنون المرأة، الذي نظمته جمعية المرأة للفنون بمراكش، وبدعم من وزارة الثقافة والإتصال، قطاع الثقافة، وبتعاون مع المديرية الجهوية للثقافة لجهة مراكش آسفي، ومجموعة من الشركاء الذاتيين والشركاء المؤسساتيين.

وأبرز العمراني آمين أن التراث المغربي لا ينفصل عن الذات الوطنية بل يواكبها في كل الممارسات اليومية، التراث ينطوي على ما اكتسبه المرء وتوارثه عن أسلافه من قيم مادية وغير مادية، وأنه في معناه الواسع يشكل تعبيرا ذاتي عن العالم، سواء كان ذلك التعبير منبثقا عن الفرد أو الجماعة، وسواء ما كان منها ماديا يتصل برؤية الإنسان لعالمة الملموس، وتعبيره عنه وترجمته إياه واقعاً محسوسا يتمثل في العمران والمواقع الأثرية المختلفة، أو ما كان منها غير مادي يتجلى في أشكال التعبير المختلفة عن الوجدان الفردي والجماعي للمجتمعات وغيرها من التعبيرات العفوية والتلقائية، والمنبعثة من غور ثقافات مغربية مُغْرِقَة في القدم على شكل عادات وتقاليد، وعبادات، واحتفالات، ولغات وأمثال وحكم وفنون مؤداه، ومهارات، وموسيقى، وطقوس ومعتقدات مما مكَّن من فهم جزء ليس باليسير من البنية العقلية المغربية المُكتَنَزَة التي استمرت بمسيرتها عبر التاريخ غير خاضعة لمنهجية صارمة، متجاوزة بذلكـ تقلبات الزمن، الذي نَفَخَ فيها ملامحَ ثقافية جديدة حينا فحين، وحَوَّلَها بالتالي إلى مصدرٍ وعيٍ جماعيٍ غني يُنْبِئ عن تاريخ ومعتقدات وممارسات.

وأكد العمراني أمين جازما بأننا في المغرب يجب أن نسعى لتشكيل أدوات وطرائق تكون قادرة وفعالة للحفاظ على التراث المادي واللامادي بمجمله، وذلك تمشيا مع أخلاقياتنا وواجبنا اتجاه تراثنا وإتجاه الوطن.

كما دعا العمراني أمين إلى ضرورة تقريب التراث الشعبي النسائي والحضاري من الجمهور والناشئة في جهة مراكش آسفي، وبعموم جهات المملكة، إلى مد جسور التواصل الثقافي المستدام والتجاوب الفني التراثي الفعال مع مختلف الفئات الإجتماعية، وتشجيع الناشئة من أجل الإهتمام بالموروث الثقافي والبعد الحضاري، والتعريف بالفاعلات المجتمعيات والنساء الرائدات بمختلف المجالات، وبلورة المخزون الفلكلوري، وإعادة إحيائه وتفعيله في إتجاه التنشيط الترابي والتنمية المحلية المندمجة الى جانب المؤسسات والفاعلين والمساهمين والمنتخبين، لترسيخ قيم المواطنة وتطوير المشاركة الثقافية ودعم التواصل بين المنظمين وبين المجتمع، وتوطيد ثقافة المساواة ودعم الاندماج السوسيو ثقافي، وتثمين التفكير الجماعي من أجل تقويم تشاركي ووفق مستلزمات النموذج التنموي الجديد لخصوصيات المرحلة الإجتماعية والثقافية والفنية المميزة التي يعيشها الوطن، نحو التقدم والنماء، والمتنوّع في الرؤى والأبعاد.بكل طاقاته وإمكاناته المؤمنة بالمغرب المتطور والموحد.
وأشار العمراني أمين إلى أن المغرب عموما، وجهة مراكش آسفي خصوصا، مرت بتقلبات تاريخية وحضارية مختلفة منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى يومنا هذا، آخذين بالاعتبار تباينها في الغنى الثقافي، الذي أدى إلى أن يصلَ للإنسانَ المغربي المعاصر زخمٌ ثقافيٌ غني وتراكمٌ تراثي حضاري متعدد الجوانب، وأن مانشهده حتى اليوم، ما هو إلا امتداد واضح لطقوس وعادات وتقاليد كانت مشهودة لدى إنسان المغرب في “إيغود” وغير “إيغود” منذ أقدم الأزمنة.
وإنصبت خلال النقاش معظم مداخلات النساء المتدخلات من الأكاديميات والباحثات والزميلات الإعلاميات والفنانات بمختلف الفنون التعبيرية والتشكيلية، والفاعلات الجمعويات وكذا بعض المتدخلين، على أن المغرب بلدُ غنيٌّ بتراثه الثقافي النسائي والرجالي المتنوع الذي يستحق التعريف به وحمايته من الضياع والاندثار بل وتثمين مكوناته باعتباره رافدا من أهم روافد الهوية الحضارية والثقافية المغربية الذي يستوجب الحفاظ عليه وإدماجه ليتفاعل ويستمر، ويعتبر التراث المغربي بكل مكوناته العروبية والأمازيغية والأندلسية الموريسكية والحسانية، وبكل روافده الإفريقية والعبرية نموذجا ثقافيا متميزا يجسد هذا الغنى الثقافي المتنوع ،ويهدف إلى تحقيق التواصل الثقافي محليا وجهويا ووطنيا ودوليا .
وكما أعربت مداخلات أخرى، على أن التراث المغربي المادي واللامادي لا يقتصرُ ، على الثقافة الشفاهية والفلكلور بكل تقاليده وتجلياته الفنية والجمالية فقط ، وإنما يتجاوز ذلك، ليتعلق بمختلف الأنماط الحضارية والعلمية والهندسية والمعمارية المغربية، وأنماط فنون العيش التي تترجمها الأعراس والإحتفالات والمواسم والأعياد والعادات الجماعية والتقاليد الموروثة، والتي تزدهر بها مراكش كحاضرة متعددة الثقافات، ومختلف المدن المغربية العتيقة، من رياضات وسقايات وحمامات وحارات وأسواق ودويريات ومساجد وقلاع وممرات حضرية، وصهاريج، ومزارات وزوايا، وفنادق ظلت تشكل مجمعات حرفية وتجارية،وغيرها وإنما يتعلق بإمكانية المحافظة عليه، وإستثماره إقتصاديا وإجتماعيا وتثمينه وتدبيره، ومناهضة سوء فهم رمزيته و دلالاته الحضارية الثقافية والاجتماعية والجمالية والنفسية، ومدى علاقاته الوطيدة بالهوية والشخصية المغربية الذي يشكل أحد دعائمها لأساسية.
في حين شددت مداخلات أخرى، على أهمية توظيف التراث المادي واللامادي بالمغرب بمختلف مكوناته التصنيفية والرمزية يشكل قيمةً إقتصادية سياحية وإستثمارية مضافة ومستدامة لما يختزله من أنماط تفكير وحياة وعيش تُبرزُها الحلي والأزياء والمطبخ والفنون التعبيرية من ملحون وطرب آلة وأهازيج شعبية وأغاني متوارثة وحكايات وأقاصيص والفنون التشكيلية من تصاميم وزخارف وعمران، ومن تراث هندسي متميز أعطى خصوصيات عالمية للمغرب .

كم تطرقت المداخلات إلى كون التراث يقوم على مجمل ما خلَفته الأجيال السالفة من خلال تعاقب فترات الحضارة للأجيال الحالية، حيث أصبحت الدراسات التي تتعلق بتثمين التراث من الناحية العلمية، علما قائما بذاته يختص بقطاعات إقتصادية وإجتماعية وثقافية وجمالية وشاعرية ونفسانية ويلقي الضوء عليها، ويستهدفُ إستثمارها وربطها بالحاضر وإستشراف المستقبل من خلالها، خصوصا وأن التراث المغربي والمأثورات التراثية الوطنية بشكلها ومضمونها هي أصيلة و متجذرة في وجدان الشعب المغربي بجميع فئاته وأطيافه، وأن ما ضمن الإستمرارية لمختلف فروعها، هو أنها ظلت تتطور وتتوسع مع مرور الزمن وبنسب مختلفة، نتيجة التراكم الثقافي والحضاري المغربي وتبادل التأثر والتأثير مع الثقافات والحضارات الأخرى ومع عناصر التغيير والحراك في الظروف الذاتية والموضوعية للمجتمع المغربي. 
مشيرة، أن التراث المغربي يشكل فضاءً غنيا ومتنوعا، بكل معتقداته ومعارفه الشعبية، وتصوراته وأفكاره حول الحياة الصوفية، حول الطب الشعبي، حول الجسم الإنساني ، حول الحيوان ، حول النباتات ، حول الأحجار والأتربة والمعادن ، حول الأماكن والمواسم ، حول الإنسان المغربي نفسه في علاقاته مع الزمن وعلاقته مع الأوائل والأواخر ، ومع الاتجاهات والألوان والأرقام والروح و الطهارة والعواطف والأحلام والنظرة إلى العالم ، والعلاقة بين الجنسين، والسلوك الفردي والجماعي للمجتمع المغربي في المناسبات المختلفة وفي العادات والتقاليد الشعبية التي تترجمها الممارسات والأفراح والأحزان والطقوس والاحتفالات وغيرها كفعل اجتماعي مرتبط بالجماعة متوارث ومرتكز على التنوع الذي تكشف عنه شتى أنواع الأدب الشعبي المغربي من أمثال وألغاز وأحجيات ونوادر وأشخاص وسِيَر وأغاني تخص الميلاد والختان والزفاف ومن بكائيات وأهازيج وأعراف مواسم تتعلق بالحصاد أو بالرعي، بالسقي أو جني المحاصيل، بالفصول والشهور ، بالأساطير والخرافات ، بالثقافة المادية وفنون الصنائع المتعلقة بالملابس والحلي وإعداد الطعام وصيد الأسماك أو الحيوانات وطُرق حفظ وتخزين الأغذية من “خليع” و”مخللات” وعسل وزيتون، وحوامض وبواكر، وحبوب وكيفيات صنع المعدات والأدوات والأثواب ، وطرق إنتاج الموسيقى الشعبية من ترانيم وأهازيج ومواويل ومدائح وابتهالات وأناشيد ورقصات فردية وجماعية ، ومن تظاهرات فنية جماعية ، على غرار إحتفالية “عاشورا” وطقوس “القديدة” وفن “لحضارات” و”الهواريات” و”اللعبات” والرقصات الجماعية المشتركة بين الجنسين التي تساهم فيها النساء المغربيات كــ أحواش و”الــكَدرة” و”أحيدوس” وغيرها .
هذا، وإن كانت تحديات العولمة تتجلى في ربح رهان المنافسة الدولية وتأهيل الثقافة كما الإقتصاد وعصرنة المجتمع وتطوير أليات التعامل مع التراث في شموليته المادية واللامادية، فإن تثمين التراث المغربي وإبراز خصوصيته وتعدده، موضوع هذه الندوة “دور النساء المغربيات في الحفاظ على التراث الوطني المادي واللامادي”، يعتبر موضوعا استراتيجيا تنمويا أساسيا ، يقتضي توفير ظروفٍ ملائمة لإعماله وإنجاحه ليتأقلم مع الوضع العالمي الجديد،ويتطلب البحث عن أنجع السبل للتخفيف من سلبيات العولمة، وما أكثرها، دون إحداث القطيعة معها، ومن هنا تتجلى أهميته لأنه لا مكان في هذا العالم الجديد للإنغلاق على الذات والتقوقع.
ومن هذا المنطلق، فقد كان المغرب صائبا في اختياره الإستراتيجي لما أقدم على التوقيع على اتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوربي ليكون شريكا متميزا مع ثاني قوة اقتصادية بعد الولايات المتحدة الأمريكية ويعمل على بعث الروح والدينامية في الاندماج الإفريقي وانخراط المغرب في هاتين الجبهتين من شأنه أن يعزز مكانته على الصعيد الدولي ويوفر له الشروط للإندماج بتراثه وغناه الحضاري في النظام العالمي بأقل تكلفة.
في سياق مرتبط، إنبثقت عن الندوة عشر توصيات همت :
أولا: دعم جمعيات المجتمع المدني النسائية خصوصا المشتغلة على إحياء وصيانة التراث المغربي، خصوصا تلكـ المتوفرة على رؤية محددة في العمل وبرامج ومنهجية علمية ومعرفة بالتراث المادي واللامادي .

ثانيا: إبرام إتفاقيات بين هذه الجمعيات مع المجالس المنتخبة والغرف المهنية والوزارة الوصية، والمراكز العلمية والمعاهد العليا والجامعات والمؤسسات الاعلامية من اجل العمل على توثيق ودراسة وصيانة التراث المغربي النسائي والرجالي بشقيه المادي واللامادي .

ثالثا: مواصلة العمل للتوصل إلى اتفاقيات إطارية مع المؤسسات المعنية قصد حماية التراث المغربي.

رابعا: التاكيد على ان الفلكلور المغربي، ومن ضمنه التراث المغربي النسائي مكون حيوي وفعال من مكونات التراث المغربي اللامادي، ومسلكا يمكن أن يستثمر في التنمية الثقافية والفضاء التربوي ورافدا من روافد التنمية السياحية .

خامسا: دعوة الجهات المعنية لتوثيق المواد الإعلامية والدراسات والبحوث والأشرطة الوثائقية والفنون الشعبية النسائية في أقراص مدمجة وفتح منصات إليكترونية للتداول حولها مع الدفاع بشكل فاعل عن مصالح الفنانين والفنانات الشعبيات بشكل عام والعاملين في الفلكلور المغربي الغنائي بشكل خاص وتسهل عملية قبولهم وادماجهم في المهرجانات الوطنية والدولية.

سادسا: ان تقوم رائدات ورواد التراث الشعبي المغربي بتلقين الناشئة فنون التراث المغربي المادي واللامادي وأشكاله وأسراره للحفاظ عليها من الإندثار وحمايتها من التشويه والإضافات الدخيلة والخارجة عن طبيعتها .

سابعا: مقاومة مختلف المحاولات التي ترمي لتشويه التراث المغربي الوطني شكلا ومضمونا.
ثامنا: إستخدام مواد التراث الشعبي والحياة الشعبية المغربية في إعادة بناء الفترات التاريخية الغابرة للأمة المغربية والتي لا يوجد لها إلا شواهد ضئيلة متفرقة.

ثامنا: الحفاظ على التراث المغربي عموما وعلى التراث النسائي المادي واللامادي خصوصا، ونشره، وفهم أبعاده وتثمين أهميته ، وإطلاع الناشئة من أجيال المستقبل على غناه وقيمته الذاتية والموضوعية وكنوناته الحضارية والثقافية الماثلة فيه، وما لها من أثر إيجابي في ازدهار السياحة والثقافة والصناعة التقليدية والتربية والتكوين.
تاسعا: التفكير في إمكانية بناء قُدُرات عبر التدريس والتحسيس ولتأطير والتواصل تُمَكِّنُ من الحوار بين كل الهيئات المشتغلة على التراث الرسمية والغير الرسمية؛ لأن التراث والحوار صنوان لا يفترقان، ومن الحِكْمَة في هذا المضمار أن يقوم الجميع بدوره في صون هذا التراث المغربي المادي واللامادي بأبعاده المختلفة ليتسنى لنا نقله إلى الأجيال اللاحقة، وتأهيله كرافعة من رافعات التنمية.
عاشرا: ضرورة المضي في إستثمار التراث المغربي المادي واللامادي قصد إبراز الهوية الوطنية المغربية بروافدها الحضارية المتعددة العروبية والأمازيغية والحسانية والعبرية والموريسكية، وبإمتداداتها الإفريقية والمتوسطية.