مجتمع | الأحد 28 مارس 2021 - 17:14

حول دستورية القاسم الانتخابي الجديد

  • Whatsapp

بقلم: الدكتور هشام برجاوي *

تضمن القانون التنظيمي، المُصَوَّتُ عليه من لدن مجلسي البرلمان، آلية جديدة لاحتساب القاسم الانتخابي، تأخذ بعين الاعتبار عدد الناخبين المسجلين في اللوائح الانتخابية، وليس عدد المصوتين، وهو ما أثار نقاشا حادا بين الأحزاب السياسية بين مدافع عنه نظرا لإتاحته فرصة توسيع تمثيلية المؤسسات النيابية، ورافض له بداعي اصطدامه مع الدستور.

ولفحص دستورية الآلية المذكورة، ينبغي استحضار مقتضيات القانون الدولي لحقوق الانسان، وخاصة العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية من ناحية، وكذا الأحكام الصريحة للدستور من ناحية أخرى.

فعلى صعيد القانون الدولي لحقوق الانسان، تنص الفقرة الثانية من المادة الخامسة من العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، المصادق عليه من قبل المغرب، على أنه : “لا يُقبل فرض أي قيد أو أي تضييق على أي من حقوق الإنسان الأساسية المعترف بها أو النافذة في أي بلد، تطبيقا لقوانين أو اتفاقيات أو أنظمة أو أعراف، بذريعة كون هذا العهد لا يعترف بها، أو كون اعترافه بها في أضيق مدى”. ويُستَفادُ من هذه المقتضيات أنه يتوجب على الدول إعمال جميع التدابير التي تُيَسِّرُ للأفراد الاستفادة، على أوسع مدى، من الحقوق والحريات المتضمنة في العهد الدولي سالف الذكر، ومن بينها، طبعا، الحق في المشاركة السياسية.

اتساقا مع ما سبق، نصّت المادة 25 من نفس العهد الدولي، على ما يلي : “يكون لكل مواطن، (…)، الحقوق التالية، التي يجب أن تتاح له فرصة التمتع بها دون قيود غير معقولة :
(أ) أن يشارك في إدارة الشؤون العامة، إما مباشرة وإما بواسطة ممثلين يختارون في حرية؛
(ب) أن ينتخب وينتخب، في انتخابات نزيهة تجرى دوريا بالاقتراع العام وعلى قدم المساواة بين الناخبين وبالتصويت السري، تضمن التعبير الحر عن إرادة الناخبين؛
(ج) أن تتاح له، على قدم المساواة عموما مع سواه، فرصة تقلد الوظائف العامة في بلده.”

وتعزيزا للمضمون الصريح للمادة 25 أعلاه، وتكريسا له، نصَّتْ المادة 26 من العهد الدولي المذكور على ما يلي : “الناس جميعا سواء أمام القانون ويتمتعون دون أي تمييز بحق متساو في التمتع بحمايته. وفي هذا الصدد يجب أن يحظر القانون أي تمييز وأن يكفل لجميع الأشخاص على السواء حماية فعالة من التمييز لأي سبب، كالعرق أو اللون أو الجنس أو اللغة أو الدين أو الرأي سياسيا أو غير سياسي، أو الأصل القومي أو الاجتماعي، أو الثروة أو النسب، أو غير ذلك من الأسباب”.

يُسْتَشَفُّ، مما سبق، أن أي مقتضى تشريعي يروم توسيع نطاق الاستفادة من الحقوق والحريات كما هو متعارف عليها كونيا، وتيسيرها، يُعْتبَرُ مواءمة للتشريع الوطني مع القانون الدولي لحقوق الانسان نصا وروحا، ذلك أن الغاية من اعتماد إطار قانوني دولي للحقوق والحريات لا تتمثل في التضييق عليها، بل في تيسير ممارستها والاستفادة الموسعة، إلى أبعد مدى، منها.

ونظرا لأن العزوف عن التسجيل في اللوائح الانتخابية لا يستتبع جزاء قانونيا، وإن كان القانون ينص على أنه إجباري، فإنه، جوهريا، تعبير عن الارادة الحرة للفرد، يفصح من خلالها عن رغبته في المشاركة في تدبير الشؤون العمومية؛

ونظرا، أيضا، لأن القاسم الانتخابي، وفق صيغته الحسابية الجديدة، يهدف إلى توفير تمثيلية نيابية موسعة، تشمل الأفراد الذين مارسوا الفعلين الغائي والمادي للتصويت، من خلال، في هذا الترتيب، التسجيل في اللوائح والمشاركة في التصويت، و، كذلك، الأفرادَ الذين مارسوا الفعل الغائي ولم يتمكنوا، لسبب أو لآخر، من إجراء الفعل المادي للتصويت، ذلك أنه لا يتأتى تنظيم تصويت استدراكي. وفي هذا الصدد، ينبغي أن نستحضر أن الفصل 30 من الدستور اعتبر التصويت حقا شخصيا وواجبا وطنيا في الآن ذاته، وبالنتيجة، فالمُشرِّع مُطالب بوضع قواعد انتخابية، تراعي مصير الناخبين المسجلين الذين منعتهم ظروف ما، من استكمال رغبتهم في المشاركة السياسية، التي أفصحوا عنها، إراديا، بتسجيل أنفسهم في اللوائح الانتخابية.

استنادا إلى الأسانيد السابقة، نَخْلُصُ إلى أن كيفية احتساب القاسم الانتخابي منسجمة مع نص وروح القانون الدولي لحقوق الانسان، ولاسيما العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية، الرامي، كما أسلفنا، إلى ضمان أوسع استفادة ممكنة للأفراد من الحقوق والحريات المندرِج ضمنها الحقُّ في اختيار ممثلين عنهم داخل المجالس المنتخبة المحلية والوطنية.

وعلى صعيد الدستور، وإضافة إلى ما سبق بيانه حول الفصل 30 منه، فإن الفصول الأخرى ذات الوقع على الانتخابات، أو ما يمكن أن نسميه القانون الدستوري للانتخابات، لا تتضمن أي مقتضى صريح يصطدم مع القاسم الانتخابي الوارد في القانون التنظيمي المعني. ولتبيان ذلك باستفاضة، نشير إلى أن الفقرة الثانية من الفصل 5 من الدستور تنص، صراحة، على ما يلي : “تعمل السلطات العمومية على تعميم الظروف التي تمكن من تعميم الطابع الفعلي لحرية المواطنات والمواطنين، والمساواة بينهم، ومن مشاركتهم في الحياة السياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية”.

إن كان العهد الدولي المتعلق بالحقوق المدنية والسياسية قد انبنى على صيغة “المشاركة إلى أوسع مدى” في الحياة السياسية، فإن الدستور تضمن صيغة أكثر تقدما تتجلى في “تعميم المشاركة السياسية”، حيث نلاحظ أن الفصل 5 سالف الذكر، قد تضمن مفردة “تعميم” مرتين، وذلك ما يستشف منه أن المشاركة السياسية يجب أن تعمم على سائر الأفراد، ويتوجب، بالنتيجة، على السلطات العمومية، كما هو منصوص عليه في المتن الصريح للفصل الذي انصرمت الإشارة إليه، أن توفر الظروف والآليات القانونية اللازمة لذلك.

وبسعيه إلى توسيع تمثيلية المؤسسات المنتخبة، الوطنية منها والمحلية، كي تشمل مختلف الحساسيات والتوجهات السياسية الناشطة في المجتمع المغربي طبقا للقانون، فإن آلية احتساب القاسم الانتخابي تتناغم مع المتن الصريح للفقرة سالفة الذكر.

علاوة على ما سبق، نَصَّ الفصل 11 من الدستور، في فقرته الثانية، على ما يلي : “يحدد القانون القواعد التي تضمن الاستفادة، على نحو منصف، من وسائل الإعلام العمومية، والممارسة الكاملة للحقوق والحريات الأساسية، المرتبطة بالحملات الانتخابية، وبعمليات التصويت”. وبوضعه للقاعدة الحسابية الجديدة للقاسم الانتخابي، يكون المشرع، أولا، قد مارس اختصاصا أصيلا أسنده إليه النص الصريح للدستور، وثانيا، قد راعى مقتضيات الفصل 5، المشار إليه أعلاه، والرامية إلى توسيع تمثيلية المؤسسات المنتخبة، إذ أن القراءة المركبة للفصلين 5 و11 تبين أن المشرع مختص بوضع قواعد التصويت ويتوجب عليه، خلال مزاولة هذا الاختصاص، مراعاة اعتماد آليات قانونية تضمن أوسع مشاركة سياسية للأفراد.

إن القاسم الانتخابي اعتراف عملي بالتعددية السياسية، وسبيل تطبيقي نحو تجديد النخب المكلفة بتدبير الشأن العام الوطني والترابي، كما أنه فرصة ملموسة لفتح أبواب المجالس التمثيلية أمام مختلف التعبيرات والآراء التي تنشط في المجتمع المغربي، وبالتالي تقريب المجالس المذكورة من التطلعات الفعلية للمواطنات والمواطنين.

* أستاذ باحث في القانون العام