اخبار جهة مراكش | الأحد 15 أغسطس 2021 - 10:36

أزمة جائحة “كورونا” تعيد السيادة الصحية والأمن الاستراتيجي إلى الواجهة

  • Whatsapp

قال محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاضي عياض بمراكش، إن مبدأ سيادة الدولة عرف تطورا كبيرا، تبعا لأحداث شتى عرفها التاريخ، وتحول من سيادة مطلقة فيما مضى إلى سيادة مقيدة خلال الحربين العالميتين الأولى والثانية.

وأضاف بنطلحة، أن مفهوم السيادة مطالب بمواجهة العديد من التحديات في ظل وجود صراع، يتخذ أشكالا كثيرة، بين الدول الكبرى بهدف الهيمنة وبسط النفوذ على العالم، مشيرا إلى أن آخر هذه التحديات كان مع ظهور جائحة “كورونا” التي غيرت موازين القوى.

وأشار المتحدث ذاته إلى التنافس الجيوسياسي، الذي برز بين القوى الكبرى التقليدية لتعزيز سيادتها الصحية من أجل تحقيق مكاسب استراتيجية ومادية، حيث انتقل الحديث إلى مفهوم الهيمنة الصحية، وباتت الدولة التي تملك اللقاح تفرض إرادتها على بقية الدول.

وقال الأكاديمي المغربي إن جائحة “كورونا” فرضت على النظام العالمي إعادة النظر في آليات اشتغال وتنظيم القطاع الصحي، الذي تحول من خدمة عامة إلى أحد مكونات الأمن الاستراتيجي، وأصبح مجالا للتسابق والصراع الجيوسياسي الدولي، مؤكدا أن أزمة “كورونا” سلطت الضوء على الانقسامات القائمة في السياسة العالمية في سياق جيوسياسي شديد التنافسية، وأن السيادة الصحية غدت رقما صعبا في المعادلة الدولية.

وأوضح بنطلحة أن مصطلح السيادة الصحية ظهر ابتداء من سنة 1944 عقب نشر برنامج الأمم المتحدة الإنمائي تقريره للتنمية البشرية، مشيرا إلى أن هذا التعريف بقي مبهما إلى أن حل زمن “كورونا”، الذي أظهر للعالم أن البحث عن التلقيح ليس مجرد مسألة صحية بقدر ما يتعلق بالأمن القومي والسيادة والتخطيط الاستراتيجي.

وتابع الأكاديمي المغربي قائلا: “أثبتت الدراسات أن الدول التي لا تمتلك خططا لإدارة الأزمات تعاني من الكثير من المشاكل والتبعات”، مشيرا إلى أن التخطيط جهد منظم يهدف إلى الوصول إلى قرارات ونشاطات أساسية، مع التركيز على المستقبل، وهو أسلوب لمواجهة الأزمات والتكيف مع المتغيرات المفاجئة وغير القابلة للتوقع المسبق ووضع البدائل والاحتمالات وتحديد مسارها المستقبلي من خلال التنبؤ والاختيار الاستراتيجي للفرص الموجودة، يضيف أستاذ العلوم السياسية، الذي أبرز أن “التاريخ المفصلي الذي نعيشه اليوم جراء أزمة “كورونا”، يتطلب تخطيطا مبدعا واستراتيجيا للقادم من الاحتمالات، حيث حشد المغرب كل الإمكانيات والوسائل المادية والبشرية من أجل تحقيق السيادة الصحية، وفق رؤية ملكية تندرج في إطار خارطة طريق من أجل تأمين الحاجيات المستعجلة على مستوى لقاحات “كوفيد- 19″ على المستوى القريب، وإنتاج لقاحات المخطط الوطني للمناعة على المديين المتوسط والبعيد، من أجل بناء منصة قارية للبحث والتنمية، وهو ما سيمكن من تحقيق التأمين البيولوجي للمملكة”.

وأوضح بنطلحة أن من شأن هذا الإجراء تحقيق الاكتفاء الذاتي وتعزيز الأمن الصحي وفق رؤية تدعو إلى إحداث تغيير في المنظومة القائمة، مما يجعل قطاع الصحة منتجا يخلق قيمة اجتماعية وتكنولوجية واقتصادية، ومنفتحا على محيطه الدولي والقاري، كما سيساهم في تعزيز مكانة المغرب إقليميا ودوليا من خلال ديبلوماسية اللقاحات، التي ستتيح للدول الإفريقية، مثلا، الاستفادة من هذا المشروع.

واستحضر المتحدث ذاته ضرورة تلبية القطاع الصحي والصيدلي المغربي حاجيات البلدان الإفريقية، تماشيا مع ما نبهت إليه لجنة النموذج التنموي في تقريرها بخصوص أهمية وتقوية السيادة الوطنية في مجال الصحة عبر تطوير صناعة صيدلية وطنية.

ويرى الأكاديمي ذاته أن المغرب تمكن من احتواء الجائحة والحد من آثارها على السكان والاقتصاد من خلال تدبير استباقي مرن، مستحضرا خطاب عاهل البلاد بمناسبة عيد العرش، الذي اعتبر السيادة الصحية عنصرا أساسيا في تحقيق الأمن الاستراتيجي للبلاد. وأضاف أنها رؤية استراتيجية واضحة من أجل مغرب قوي قادر على أن يكون فاعلا إقليميا ومؤثرا على الصعيد الدولي، وسيدا في اختيار قراراته.