وأوضح بنسعيد في كلمة، ألقاها بالنيابة عنه الكاتب العام لقطاع التواصل، مصطفى التيمي، خلال الجلسة الافتتاحية لأشغال الدورة الثالثة للندوة العلمية الوطنية لمولاي علي الشريف دفين مراكش، المنظمة، على مدى يومين، حول موضوع “الحركة الفكرية بالمغرب خلال العهد العلوي الأول – انبعاث ثقافي وترسيخ للهوية المغربية-“، أن “ما نحن بصدد تسجيله في وقتنا الحاضر من أمجاد، ونسجله بمداد الذهب في صفحات تاريخنا المشرق، على مختلف المستويات والأصعدة، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، ما هو إلا امتداد لما بلغه السلاطين الذين تعاقبوا على حكم أمتنا على مر العصور، وخاصة عهد الدولة العلوية الشريفة”.
وأضاف أنه “إذا كانت كتب التاريخ تزخر بالمنجزات العظيمة للمملكة، وتطلع على ما بلغته من آفاق وحققته من أمجاد ومن تطور حضاري قلت مضاهاته، فإنها تخبر أن وراء ذلك دائما رجال عظماء، سخرهم الله لهذه الأمة، أخذوا بالأسباب في كل المجالات وعلى رأسها إيلاء العلوم الشرعية والعصرية في زمانهم والفنون بكل صنوفها، أهمية قل نظيرها، وكانوا سباقين للرهان على العلم والفكر في تحقيق التقدم والرقي، وفرض المكانة بين الأمم”.
وأشار الوزير إلى أن مثل هذه اللقاءات العلمية تشكل فرصة لتجسير الروابط بين الباحثين والدارسين، مما سيساهم في فتح آفاق وأوراش بحثية واعدة، لمقاربة مواضيع تكتسي أهمية بالغة، لحفظ الذاكرة الجماعية ولتجويد الفعل الثقافي.
ومن جهته، أبرز رئيس مؤسسة مولاي علي الشريف دفين مراكش – باب هيلانة، مولاي سلامة العلوي، أن “مدخل التنمية يعد مدخلا استراتيجيا يجب أن يقوم على ترشيدها في كل مظاهرها، ضمن نموذج متجدد ومندمج “، معربا عن يقينه بأن العمل المشترك المؤسس على فهم صادق للخصوصية المغربية والتمسك بها في كل وقت وحين، “يقوي ويحفز أبناء هذا الوطن على تقديم التضحيات والعمل الجاد من أجل نهضة تنموية شاملة على كافة المستويات”.
وأوضح العلوي أن “تاريخ أمتنا العريقة تاريخ صحيح، يقوم على حسن النظر والتثبت انطلاقا من معارف متعددة ومتنوعة”، مضيفا أن “التعامل مع تاريخ الدولة العلوية “لا يتعلق فحسب بالمنهج الكلاسيكي، باعتباره سردا لوقائع الزمن، بل أيضا هو استقراء للتاريخ باعتباره علما يدخل في نصب طبيعة العلوم الاجتماعية، ولكونها علوما تاريخية”.
أما ممثل منظمة العالم الاسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو)، صابر أحمد، فأوضح، من جانبه، أن تراكم التجارب والخبرات والمعارف في ظل ملوك الدولة العلوية حتى هذه اللحظة الحضارية الراهنة، هيأت المجال والتربة والظروف التي جعلت المغرب من أخصب البلدان في العالم الاسلامي، فكرا وفلسفة، وفنا وأدبا.
واستشهد على ذلك بحضور الإبداع المغربي في الفكر وفي مختلف التظاهرات الدولية بتميز وتفوق وبلمسة خاصة، يحضر فيها التنوع الثقافي والحضاري، حيث انصهرت في الثقافة المغربية الكثير من الأبعاد الثقافية، من بينها البعد الافريقي والأمازيغي والأندلسي، فضلا عن البعد العربي، مما أهل المغرب لأن يكون مجالا واسعا للتلاقح والتحاور وتعايش الثقافات عبر العالم.
بدوره، أكد رئيس جامعة القاضي عياض بمراكش، السيد مولاي الحسن أحبيض، أن هذه الحقبة الفكرية، التي “وشمت حقبة منيرة من تاريخنا، حقا لها أن تكون انبعاثا ثقافيا رسخ في المغاربة هويتهم ما زالت شواهدها تتعدد”، موضحا أنه كان من وراء هذا الانبعاث سلاطين علماء فقهاء ومثقفون حافظوا على العلم والعلماء والفقه والفقهاء، والأدب والأدباء، وأعطوهم حقهم وقدرهم.
وأبرزت باقي المداخلات أن البعد الوطني الذي تحقق بالمغرب في عهد دولة الشرفاء العلويين، أسعف إلى حد كبير في إقرار الأمن والرخاء، وهو ما حفز على البذل والعطاء العلمي، وتجلى ذلك في يقظة فكرية شهدها المغرب الحديث، في مختلف أصناف المعرفة والعلوم.
وتم في ختام الجلسة الافتتاحية، التوقيع على اتفاقية إطار للشراكة بين مؤسسة مولاي علي الشريف دفين مراكش والأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة مراكش – آسفي.
وفي هذا الصدد، أكد مدير الأكاديمية، أحمد الكريمي، في تصريح صحفي، أن هذه الاتفاقية تهم المجال التربوي، وخصوصا مجال تدخل مؤسسة مولاي علي الشريف دفين مراكش من الناحية الفكرية والعلمية، حيث إنها تعنى بتاريخ المغرب وبحضارته، وهو ما من شأنه العمل على تعريف الناشئة، من خلال أنشطتها، بمجد الدولة العلوية الشريفة وبالماضي الغني والمتين، في سبيل تقوية وترسيخ الهوية الوطنية لدى الناشئة.
كما تم تنظيم معرض لصور سلاطين وملوك الدولة العلوية الشريفة.
وتروم هذه الندوة، المنظمة بمبادرة من مؤسسة مولاي علي الشريف دفين مراكش – باب هيلانة- بشراكة مع وزارة الشباب والثقافة والتواصل، وجامعة القاضي عياض، وكلية الآداب والعلوم الإنسانية بمراكش، رصد مختلف السياقات التي أسهمت في بلورة المنجز الفكري الذي تحقق في مغرب القرنين الحادي عشر والثاني للهجرة، وكذا في السير العلمية والثقافية، سيما للأعلام العلماء، من سلاطين وملوك الدولة العلوية الشريفة، الذين رفعوا لواء المعرفة في هذه الحقبة المنيرة من تاريخنا، ومن عاصروهم من رجالات العلم المشهود لهم به.
كما تتوخى مساءلة الشروط المسعفة في بلورة المضامين الفكرية التي طالها الانبعاث والتجديد، وذلك من أجل الوقوف على مقاصدها في راهننا الحاضر، لاستشراف مستقبلنا الفكري والثقافي، وفق أسس مرجعية رصينة ممتدة في الزمان والمكان.
ويشارك في هذا اللقاء العلمي ثلة من الأساتذة الجامعيين والأكاديميين والباحثين المختصين في الأنساق الفكرية والثقافية، الذين سيقاربون تيمات بحثية مرتبطة بعناية سلاطين العهد العلوي الأول بالثقافة والعلوم، مسلطين الضوء، في السياق ذاته، على المراكز العلمية، وعلى أهم القضايا الفكرية التي طرحت نفسها آنذاك، وكذا الصلات الثقافية بين المغرب والشرق.
وتختتم هذه الندوة، بتنظيم لقاء في تراث الملحون المغربي، يبرز العمق الفكري لهذا التراث اقتباسا من حكم وتعاليم الأعلام من سلاطين وملوك الدولة العلوية الشريفة ورجالات وشيوخ هذا التراث، تذكيرا بأمجاد الماضي وقيمة استحضار تاريخهم، للتأسي بسيرهم، وإحياء ذكراهم للعبرة عند أجيال الحاضر الهادفة إلى بناء المستقبل.