أراء | الثلاثاء 5 يوليو 2022 - 10:30

الدكتور بنطلحة يكتب: على هامش سيرك الكابرانات

  • Whatsapp

الدكتور محمد بنطلحة الدكالي استاذ العلوم السياسية 

إذا كانت التسلطية والاحتكار والهيمنة من سمات الدولة الباتريمونيالية كما نظر لها “ماكس فيبر”، فإنها تعتمد أيضا على الطلاء المؤسساتي والذي هو عبارة عن ديكورات خارجية تروم إلى خلق البهرجة والفرجة ودغدغة أحلام المتفرجين، حتى يستمر ماسكو السلطة في ممارسة هيمنتهم.

ان الاستعراض الذي نظمه الجيش الجزائري يدخل في هذا الإطار، احتفاء بذكرى ستين عاما من هيمنة العساكر على الجسد الجزائري الجريح، وهو استعراض يراد منه التغطية على الخسائر الدبلوماسية والاقليمية للجزائر، ومحاولة اقناع الشعب المغلوب على أمره، أن نظام “الكابرانات” مازال قويا، وأن العزلة الخارجية التي وضع نفسه فيها لم تؤثر عليه.

إنهم يحاولون من خلال هذا السيرك الفرجوي، تمرير قرارات من شأنها المزيد من التحكم في الشأن الداخلي، وتمويه المشاهدين أن القوة الضاربة قادرة على مجاراة الكواكب والنجوم، معتمدين في ذلك على أبواق اعلامية شرعت ومنذ مدة في بث حملة دعائية لهذا السيرك الذي رصدت له أزيد من ثلاثين مليون دولار من أموال الشعب الشقيق، والذي يأتي مباشرة بعد انتهاء مناورات الأسد الافريقي بالمغرب التي نظمتها القوات المسلحة الملكية بشراكة مع الجيش الأمريكي، والتي شملت للسنة الثانية على التوالي منطقة المحبس في الصحراء المغربية المجاورة للحدود الجزائرية وغير البعيدة على ولاية تندوف حيث يستقر مرتزقة ” البوليساريو”.

إن الماسكين بزمام أمور الجيران، يجدون لذة كبيرة في تعليق النياشين الوهمية تحت صوت الزغاريد الهستيرية وفي إطلاق نيران المدافع، خاصة عندما يعلنون عن إجراء مناورات من جانب واحد- وهي على حد علمي طريقة فريدة في التدريب العسكري- بينما يجلس كبيرهم مزهوا في منصته يغمره فرح طفولي يعوض به جراحا مازالت غائرة في لاشعوره إثر ملحمة أمكالا.

لقد خلقوا جيشا ريعيا بامتياز، يتماهى مع هوية نظام تسلطي، تنخره المحسوبية والفساد، لا تحكمه المبادئ والكفاءة والجدارة المهنية، إنه ببساطة يجسد هوية الدولة الشاملة، مستندين الى نص تشريعي ورد في دستورهم الأخير.

لقد كان حريا بهم أن يقوموا باستعراض المنجزات الاقتصادية والاجتماعية التي أنجزوها مثل تصدير أرجل الدجاج، أو بالأحرى “رص الصفوف” في طوابير توزيع قارورات الحليب والزيت والماء وأرطال الخبز واللحم والبطاطا على جماهير المتفرجين الذين يعانون من ضنك العيش وندرة المواد وغلاء الأسعار، ومن نيران الحرائق التي لم يوفروا لهم ولو طائرة واحدة لإخمادها.

وفي المقابل، فهم يتسابقون على شراء أسلحة الخردة التي تبين أنهم عاجزون حتى عن تشغيلها، حيث أفاد تقرير نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، أن الإنفاق العسكري الجزائري ارتفع بنسبة 64 في المئة، مع العلم أن أساليب الحروب المعاصرة تطورت، بينما هم في مجال الحروب السيبرانية والالكترونية لا يفقهون شيئا!!..

لقد كان حريا بهم أن يشركوا في هذا الحفل التنكري، أطفال المخيمات المجندين، وفلول المرتزقة والارهابيين وعابري السبيل، ومروضي الأفاعي والبهلوانيين، والجيش الاحتياطي من المهاجرين الأفارقة الذين يعدونهم بفتح جديد على يد الكراغلة.

رجاء وأنتم في قمة النشوة، تذكروا أن الحرب سجال كما قالت العرب قديما، وهي ليست نزهة على أية حال، وأن النار تلتهم أصابع من أشعلها، ولتعلموا إن كنتم من المنصتين، أن “برنارد برودي” أحد واضعي الاستراتيجية النووية الأمريكية، قد كتب: “كانت الغاية الأساسية لمؤسستنا العسكرية هي كسب الحروب، لكن من الآن فصاعدا يجب أن يكون هدفها تفاديها”، لأن الحرب لن يخرج منها أي أحد منتصرا، والمغرب الدولة الأمة، يقوم ببناء استراتيجية بعيدة المدى في المجال العسكري تسليحا وتدريبا وتصنيعا، متحليا بالنظرية العسكرية “الردع بالاطمئنان” وفحواها إيصال رسالة طمأنة إلى الخصم، أنه لا يريد من تطوير قدراته التسليحية إلا أغراضا دفاعية، وفي نفس الوقت نهج استراتيجية ردع لكبح جماح كل المخططات المعادية قبل أن تصل إلى مرحلة التنفيذ، وهو في كامل جاهزيته، مع العلم أن هاته الاستراتيجية يتوقف نجاحها طبعا على قوة الرادع وفي الوقت نفسه مدى واقعية المردوع…