
بالفيديو.. المهندس خلدون ينبش في ذاكرة “بجعد” العمرانية ويكشف ل”مراكش الآن” عن كتاب يحيي تراث المدينة

وحيد الكبوري – مراكش الآن
في مبادرة ثقافية هامة تسلط الضوء على جزء ثمين من الذاكرة المعمارية للمغرب، أصدر المهندس عبد الغني خلدون، ابن مدينة أبي الجعد، مؤلفاً جديداً بعنوان “بجعد .. التراث العمراني والمعماري للمدينة العتيقة”.
هذا الكتاب، الصادر عن دار النشر “كولور كوم”، هو خلاصة سنوات طويلة من البحث العميق يهدف إلى نفض الغبار عن التراث التاريخي والمعماري لواحدة من أقدم المدن العتيقة في المملكة.
في حوار حصري خص به جريدة “مراكش الآن”، تحدث خلدون عن دوافعه وراء هذا العمل، يقول “إن مبادرتي هذه تستجيب لضرورة مزدوجة وملحة في الوقت الراهن. أولاً، تدارك عقود من النسيان طال التراث المعماري لمدينة أبي الجعد الذي لا يحظى بالاهتمام الكافي مقارنة بأبعادها الروحية. وثانياً، اقتراح نموذج مرجعي من أبي الجعد يمكن الاستفادة منه في صون وحماية المدن المغربية العتيقة الأخرى”.
ويشير خلدون، من خلال كتابه وحديثه، إلى أن المدينة العتيقة لأبي الجعد، التي تأسست على يد الولي الصوفي سيدي بوعبيد الشرقي في القرن السادس عشر، تستعيد مجدها العريق في صفحات هذا المؤلف.
فالكتاب، حسب قوله، “يميط اللثام عن الدور الهام الذي لعبته هذه المدينة في مسار تطور المغرب، ليس فقط من الناحية الروحية التي طغت على الأبحاث الأكاديمية، بل أيضاً من الناحية المعمارية والحضارية”.
بصفته مهندساً مدنياً، يؤكد خلدون أنه سعى في كتابه إلى الجمع بين حسّه الهندسي الدقيق وحرصه الشديد على إبراز مدى تماسك وعبقرية النسيج العمراني للمدينة العتيقة، هذا النسيج، الذي تم تشكيله قبل حوالي خمسة قرون، وُضع وفقاً لمعايير هندسية وتخطيط عمراني يرى السيد خلدون أنها “تضاهي بل في بعض جوانبها تتجاوز التخطيط العمراني الحديث”.
ويعتبر أن المدينة العتيقة لأبي الجعد تقدم نموذجاً فريداً للتنظيم الحضري، ويشرح بأن كل حي من الأحياء التي أسسها أحفاد الولي الصالح كان يضم، بشكل متكامل، زاوية، مسجداً، مدرسة قرآنية، حماماً تقليدياً، وفرناً جماعياً.
ويصف ذلك بـ”الشبكة المتكاملة من المرافق” التي كانت تضمن، حسب رأيه، الاكتفاء الذاتي لسكان الحي وتحقق توازناً مثالياً بين الفضاءات المخصصة للعبادة، السكن، والأنشطة الاقتصادية.
ينطلق الكتاب، كما أوضح مؤلفه، من سياق تاريخي دقيق يبدأ من سنة تأسيس المدينة في عام 1536، ويرصد بعد ذلك التطور الروحي، الثقافي، والاقتصادي الذي عرفته أبي الجعد على مر القرون.
ويقدم الجزء الأخير من المؤلف جرداً مفصلاً وشاملاً لأكثر من خمسين معلمة تاريخية وأثرية داخل المدينة، تشمل الزوايا، المساجد، المدارس القرآنية، الأضرحة، الحمامات، والأفران الجماعية.
ويعمل الكتاب على إبراز القيمة المعمارية الفريدة لكل معلمة، إلى جانب عرض وضعيتها الراهنة التي يصفها السيد خلدون بـ”الهشة”.
ويعتبر الكاتب أن هذه القراءة المتقاطعة للتاريخ والعمران تُظهر بما لا يدع مجالاً للشك مدى الإتقان والدراية التي تميز بها مؤسسو المدينة وبناتها الأوائل بالمعايير المعاصرة للهندسة العمرانية منذ لحظة التأسيس.
ووعياً منه بمدى هشاشة هذا التراث العمراني الثمين، وتأثره بالضغوط الديمغرافية والتغييرات التي تطرأ على المباني القديمة، يوجه خلدون من خلال حواره وكتابه، دعوة صريحة للتعبئة الجماعية.
ويُذكر بأن أبي الجعد مصنفة حالياً كترات تاريخي وطني، لكنه يرى أن هذا التصنيف “غير كاف” لمواجهة التحديات والضغوط التي تواجه المدينة العتيقة.
ويبرز خلدون أن الهدف الأسمى الذي يسعى لتحقيقه هو تظافر جهود جميع الفاعلين: السكان المحليون، السلطات العمومية، ومكونات المجتمع المدني من جمعيات وغيرها، من أجل إعداد ملف “قوي ومتكامل” يهدف إلى إدراج مدينة أبي الجعد العتيقة على قائمة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (اليونسكو).
ويؤكد بأن هذا الاعتراف الأممي سيفتح الباب أمام الحصول على تمويلات خاصة وبرامج دعم موجهة لترميم وصيانة التراث المهدد بالمدينة.
الأهم من ذلك، حسب قوله، أنه سيضمن نقل هذا “الكنز المعماري والروحي” الفريد إلى الأجيال القادمة، ليكون شاهداً على تاريخ المدينة وإسهامها الحضاري.
يُشار إلى أن عبد الغني خلدون هو مهندس تخرج من المدرسة المحمدية للمهندسين، وحصل على شهادة عليا في التدبير والتنمية من واشنطن العاصمة.
أشرف في مساره المهني على العديد من مشاريع البنيات التحتية الكبرى، وتولى منصب المدير الجهوي للتجهيز، كما شغل منصب قنصل فخري للدنمارك.
وهو يكرس حالياً جزءاً كبيراً من جهوده لتعزيز تراث مدينته أبي الجعد، من منطلق قناعته بأن الذاكرة العمرانية تشكل رافعة أساسية للتنمية الترابية المستدامة لأي منطقة.
وإلى جانب الأبحاث العمرانية والمعمارية الدقيقة للمؤلف، يتضمن هذا العمل الفني صوراً بعدسة الفنان جمال المرسلي الشرقاوي، مما يضفي على الكتاب بعداً جمالياً ووثائقياً هاماً.
