الدكتور بنطلحة الدكالي يكتب: في معنى السيادة

الدكتور بنطلحة الدكالي يكتب: في معنى السيادة

د. محمد بنطلحة الدكالي أستاذ علم السياسة والسياسات العامة بجامعة القاضي عياض بمراكش

في مشهد غرائبي يتسم بالتناقض، خرج رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة ليحاضرنا بلغة خشبية عن معنى السيادة وعدم التدخل في شؤون الدول في إطار “الرؤية الإستراتيجية الحكيمة” للرئيس عبد المجيد تبون،كما يدعون.

الخطبة العصماء ليست بريئة، حيث إنها أتت في وقت أعلن فيه تحالف دول الساحل (مالي، بوركينا فاصو والنيجر) قطع العلاقات الدبلوماسية مع الجزائر بحجة دعم النظام العسكري الجزائري للجماعات المسلحة الإرهابية التي تهدد الأمن والاستقرار بالمنطقة، ناهيك عما تفعله الجزائر بكل دول الجوار، وهي في ذلك لاتراعي دما أو تاريخا أو جوارا.

هكذا وفي ظل عزلة دبلوماسية متفاقمة،حدثنا فقيه زمانه دون حياء أو خجل عن معنى “الاستقرار” و”السيادة”…! لقد تماهى شنقريحة في خطابه،حتى خلنا أننا نحلم…!

لكن وأنت في أوج حماسك أيها القائد،حري بنا أن نذكرك أن مفهوم السيادة يمثل أحد المبادئ الرئيسية التي يقوم عليها النظام الدولي، وهو يرتبط ارتباطا وثيقا بنشأة الدولة الحديثة. إنه يتجلى في حرية الدولة في تصريف شؤونها الداخلية وتنظيم حكومتها ومرافقها العامة فضلا عن حقها في فرض سلطانها على كل ما يوجد على إقليمها من أفراد أو أشياء، كما أن للدولة الحق في التعامل مع الدول الأخرى دونما خضوع في ذلك لأي سلطة دولية، مع ضرورة قيام العلاقات بين تلك الدول على أساس المساواة في السيادة، والتي هي غير قابلة للتجزئة داخل الدولة الواحدة، حيث لكل دولة شخصيتها الدولية.

إن صيرورة مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، مبدأ قانوني عام، وقد تضمن ذلك في نصوص المادة الثانية من الفقرة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة، ومن ناحية أخرى حرصت الأمم المتحدة منذ إنشاءها عام 1945على تأكيد مبدأ السيادة وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأعضاء.

إن السيادة تشكل أحد الأركان الأساسية لمفهوم الدولة الوطنية، حيث من خلالها يتجسد واقعيا الوجود القانوني والسياسي للدولة كعضو في المجتمع الدولي، كما يتجسد أيضا بموجبها الاستقلال الوطني، وهي تمثل ما للدولة من سلطان تواجه به الأفراد داخل إقليمها أي أن سلطة الدولة في الداخل والخارج لا تعلوها أي سلطة وهي لا تتجزأ ولا تقبل التصرف.

إنها كما عرفها بودان “السلطة العليا على المواطنين والرعايا” كما أن تصريف محكمة العدل الدولية في قضية مضيق “كورفو” سنة 1949 يسير في هذا الاتجاه، السيادة بحكم الضرورة هي ولاية الدولة في حدود إقليمها ولاية انفرادية ومطلقة وأن احترام السيادة الإقليمية في ما بين الدول المستقلة يعد أساسا جوهريا من أسس العلاقات الدولية.

لقد تعرض مفهوم السيادة لعدة تأويلات عبر التاريخ وصلت إلى حد الإساءة في استخدامها لتبرير الفوضى الدولية حيث تهدف بعض الدول إلى المساس بسلامة التراب الوطني لدولة مجاورة وضرب الوحدة الوطنية عبر كيانات انفصالية مدعية أن ذلك يدخل في إطار تثبيت دعائم سيادتها وأمنها القومي وتوازنها الاستراتيجي.

إن ذلك يتمثل كما يشير Harry Gelber في توخي بعض الدول تدبير أمورها في إطار علاقتها بالدول الأخرى على النحو الذي يكفل لها Capacity to manage حماية مصالحها، وهي بذلك تخضع مفهوم السيادة لازدواجية الرؤى والمعايير وفقا لرغباتها ومصالحها.

التطبيق الأبرز على ذلك في الواقع العربي والإفريقي يتجسد في دولة الجزائر التي تحلم بالهيمنة إقليميا على منطقة شمال إفريقيا حيث تحرك أجندتها وفق شعارها المزعوم «تقرير المصير»، وهي بذلك تتجاوز المرجعيات والضوابط التي يسنها القانون الدولي في احترام سيادة الدول وحسن الجوار.

ترى إلى أي مدى تستطيعون الالتزام باحترام القوانين والأعراف الدولية،أم أن كلام الليل يمحوه النهار….

videossloader مشاهدة المزيد ←