شداتها كاميرا الحي.. تفاصيل قتل طفل وردم جثته في حفرة على يد والدته

شداتها كاميرا الحي.. تفاصيل قتل طفل وردم جثته في حفرة على يد والدته

في عالم الجريمة، لا شيء يبدو ثابتا أو مطمئنا. فالأماكن التي نعتقد أنها حصون آمنة قد تتحول في لحظات انفلات وانفعال، إلى مسارح لمآس تقشعر لها الأبدان، إذ داخل البيوت العادية، وبين جدران يفترض أن تحمي الأطفال وتمنحهم الأمان، وقعت في طنجة واحدة من تلك الحوادث التي تهز ما نعتبره “بديهيات إنسانية”، حين تحولت لحظة غضب عابرة إلى فاجعة أودت بحياة طفل لا يتجاوز الحادية عشرة من عمره على يد والدته، قبل أن تزداد المأساة قتامة بمحاولة طمس الجريمة وإخفاء الجثة في مكان مهجور، في واقعة صدمت سكان الحي وكل المدينة.

في يوم رمضاني مشمس، بدا كل شيء عاديا داخل شقة أسرة هادئة بالمجمع الحسني بحي مغوغة، إذ بعد عودة الأب من عمله مرهقا، بادرت زوجته بإخباره بأن طفلهما “إبراهيم” توجه لزيارة قريب للعائلة لتناول وجبة الإفطار معه، حيث بدا له الأمر طبيعيا في البداية، غير أن مرور الساعات دون عودة الطفل أشعل القلق في النفوس، خصوصا بعدما أكد الأقارب المفترضون أن الطفل لم يزرهم أبدا، وفق ما أوردته جريدة الصباح.
وبينما اشتد التوتر داخل المنزل، تقدم الأب ببلاغ رسمي لدى مصالح الأمن، مؤكدا اختفاء ابنه في ظروف غير مفهومة. ومع انتشار الخبر، انطلقت حملات بحث متفرقة بين أفراد العائلة والجيران، وبدأت صفحات “فيسبوك” تمتلئ بنداءات عاجلة تحمل صور “إبراهيم” وتستجدي أي معلومة تقود إلى مكانه، في وقت كانت الشكوك الأولى تسير نحو احتمال تعرضه لاختطاف أو حادث عرضي، دون أن يتخيل أحد أن الحقيقة كانت داخل المنزل.

خيط رفيع يكشف المستور
مع تقدم البحث، قررت مصالح الأمن مراجعة تسجيلات كاميرات المراقبة المثبتة بمدخل الإقامة، حيث كانت المفاجأة عندما ظهر “إبراهيم” يدخل العمارة في يوم الحادث لكنه لا يغادر أبدا. وما زاد من الشكوك هو ظهور الأم لاحقا وهي تحمل كيسا كبيرا باتجاه سيارتها قبل أن تقودها خارج الحي. هذا المشهد كان كافيا لتغيير مسار التحقيق كليا، ودفع المحققين إلى استدعاء الأم للاستماع إليها في محضر رسمي، حيث بدأت مضطربة ومتناقضة أمام أسئلة المحققين، بعد أن وجدت نفسها محاصرة بأدلة لا يمكن إنكارها، لتبدأ خيوط القصة الحقيقية في الظهور.

مواجهة وانهيار
داخل مكتب التحقيق، وجدت الأم نفسها أمام أسئلة دقيقة لا تتيح لها الوقت لابتكار أعذار جديدة. في البداية حاولت التشبث بروايتها، ثم انفجرت بالبكاء عندما عرض عليها المحققون لقطات الكاميرا، وانهارت قواها النفسية معترفة بأن مشادة بسيطة مع ابنها تحولت إلى لحظة غضب طائش، دفعت فيها الطفل بقوة داخل حوض الاستحمام، فسقط على رأسه وفارق الحياة على الفور. وشددت على أن خوفها من ردة فعل زوجها ومن الفضيحة جعلها تتصرف بتهور، وفكرت في إخفاء الجثة بدل طلب المساعدة.

مشهد إخفاء الجثة
بعد أن طمأنها المحققون، سردت الأم تفاصيل الجريمة، وأبرزت أنه بعد تأكدها من وفاة الطفل، لفت جثته داخل كيس بلاستيكي كبير، واحتفظت بها داخل الشقة حتى حلول الليل كي لا يراها أحد، فحملت الكيس بصعوبة نحو سيارتها، وقادتها في اتجاه منطقة العوامة عبر الطريق الدائرية الرابطة بين طنجة وتطوان، حيث بحثت عن مكان بعيد وسط الظلام، وقامت بحفر حفرة ضيقة بوسائل بدائية ويداها ترتجفان، ثم وضعت الجثة بسرعة وغطتها بطبقة خفيفة من التراب وبعض قطع “الردمة”، قبل أن تعود إلى سيارتها منهارة تماما، وهي تعتقد أنها تخلصت من المشكلة، غير مدركة أن شريط كاميرا واحدا سيعيد كل شيء إلى مكانه الصحيح.

جلسة المحاكمة… دموع وندم
بعد انتهاء كل مراحل التحقيق، وجدت الأم نفسها داخل قاعة الجنايات بابتدائية طنجة، تواجه تهمة الإيذاء العمدي المفضي إلى الموت دون نية إحداثه، مقرونة بتشويه الجثة وإخفائها، حيث بدت منهارة وهي تعبث بأطراف ثوبها وتحاول جاهدة كبح ارتجاف يديها. وما إن دخلت هيأة الحكم إلى القاعة حتى بدت اللحظة وكأنها امتداد طويل لثقل الأيام الماضية.
وخلال سردها لوقائع اليوم المشؤوم، لم تتمالك نفسها وأجهشت بالبكاء وهي تؤكد أنها لم تكن تقصد قتل ابنها، وأن لحظة غضب عابرة جعلتها تفقد السيطرة على تصرفاتها، مبرزة أن تأخره في الاستحمام وإصراره على البقاء للعب في الماء، جعلاها تدفعه بعصبية ليسقط على رأسه ويلقى حتفه في الحال.
مشاهد الجلسة زادت تأثرا بتصريح زوجها، الذي غلبته الدموع وهو يخاطب الهيأة قائلاً: “سيدي القاضي، عشرون عاما وأنا أعيش مع هذه المرأة، فهي إنسانة طيبة وعطوفة على أبنائها، ارحمني.. الله يرحم الوالدين، مبغيتش نفقد كلشي”. أما الدفاع فاعتبر في مرافعته أن موكلته تعاني اضطرابا نادرا يتمثل في “الخوف من فقدان الأقارب”، مستشهدا بواقعة سابقة أصيبت فيها بنوبة هستيرية حين نقل ابنها إلى المستشفى، مطالبا بأقصى ظروف التخفيف. في المقابل، التزمت النيابة العامة الصمت، تاركة للهيأة حرية تقدير ظروف الملف وملابساته.

الحكم… ساعة الحقيقة
بعد مداولة دامت لساعات، عادت هيأة المحكمة لتعلن القرار الذي انتظره الجميع بقلق وترقب. نادى الرئيس على المتهمة للوقوف، قبل أن يتلو أمامها منطوق الحكم بصوت واضح: “خمس سنوات سجناً نافذا”، لتنهار في مكانها، بينما زوجها تقدم خطوة إلى الأمام يغالب دموعه، ثم وضع يده على كتفها مطمئنا رغم عجزه عن تغيير شيء في القرار.
الهيأة بررت حكمها بغياب نية القتل، معتبرة أن ما وقع كان نتيجة انفعال مفاجئ، لكنها شددت في الوقت ذاته على أن إخفاء الجثة ومحاولة طمس معالم الجريمة لا يمكن اعتبارهما مجرد تصرف بدافع الخوف، بل يشكلان فعلا يعكس إدراكا خطيرا لخطورة الواقعة ومحاولة للهروب من المساءلة.
بهذا الحكم، طويت آخر صفحات واحدة من أكثر القضايا الأسرية مأساوية في طنجة خلال السنوات الماضية، قضية دفنت فيها الحقيقة قبل الجثة، لكن خيوطها لم تلبث أن ظهرت لتكشف حجم الألم الذي يمكن أن تخلفه لحظة غضب واحدة داخل بيت يفترض أن يكون ملاذا للأمان.

videossloader مشاهدة المزيد ←