اخبار جهة مراكش | الإثنين 19 نوفمبر 2018 - 16:09

ندوة علمية بكلية الحقوق بمراكش تحتفي بربع قرن من مساهمة المحاكم الإدارية في حماية الحقوق والحريات بالمغرب +صور

  • Whatsapp

موسى الابراهيمي – مراكش الآن
تخليدا لمرور ربع قرن على إحداث المحاكم الإدارية ببلادنا، احتضنت قاعة الندوات بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش، على مدار يومي 16 و17 نونبر من الأسبوع الماضي، ندوة علمية حول: “ربع قرن من مساهمة المحاكم الإدارية في حماية الحقوق والحريات بالمغرب”، بتنظيم من شعبة القانون العام، مختبر الأبحاث القانونية وتحليل السياسات، ماستر القانون العاد الداخلي وتنظيم الجماعات، ماستر السياسات الحضرية والهندسة المجالية والمرصد الدولي للأبحاث الجنائية والحكامة الأمنية، وذلك بمدرج المختار السوسي الخاص بالندوات العلمية، الدكتور الحسين أعبوشي عميد كلية الحقوق بالنيابة، أكد في الجلسة الافتتاحية على لسان الدكتور زكرياء خليل نائب عميد كلية الحقوق، أن المحاكم الإدارية وضعت على أساس إضافة ضمانة من الضمانات لحماية الحقوق والحريات، وأن مسار الاجتهاد القضائي عبر هذا العمر تؤكد العزم التام على تحقيق هذه الغاية، وأن مرجعية المحاكم الإدارية بالمغرب يختلف شيئا ما عن مرجعية القضاء الإداري الفرنسي، هذا الأخير الذي يهدف إلى حماية الإدارة من معاملة الخواص وأنه لأجل ذلك، وضع القانون الإداري المغربي الأخذ بعين الاعتبار وضعية الإدارة وسير المرفق الإداري.
وفي كلمة له بالمناسبة قال الدكتور محمد الغالي، بصفته رئيسا لشعبة القانون العام، أن طرح موضوع القضاء الإداري من خلال مختبر الأبحاث القانونية وتحليل السياسات، ينبغي مباشرته بسؤال: “مدى مساهمة القضاء الإداري في حماية الحقوق والحريات والوقاية من كل أشكال الانحراف أو الشطط من المخاطر التي تمس كيان الدولة؟”، وأن معالجة هذا الأخير ممكن من خلال دساتير 1992 و1996 و2011، وأن دستور المغرب لسنة 2011 هو أول وثيقة دستورية جودت منظومة حماية الحقوق بالمقارنة مع الدساتير السابقة في سياق تقييم مخرجات السياسية من فعل وتفاعل الدستورانية المغربية، مشددا أن تناول كل انجازات القضاء الإداري خلال ربع قرن مهمة صعبة، خاصة أن العملية تتعلق بتقييم كل مخرجات السياسات التي لها فعل وتفاعل بين انساق سياسية وثقافية وغيرها.

بدورها الدكتورة قبيش عن المرصد الدولي للأبحاث الجنائية والحكامة الأمنية، أوضحت أن مرصدها اشتغل في اتجاه دراسة الرفع من الحقوق والحريات عبر الممارسة القضائية بالمحاكم المغربية، وأن الاشتغال بتجارب المحاكم الإدارية بالمغرب في حماية الحقوق والحريات وتتبع عملها واجتهاداتها ومدى القدرة في إرساء مسؤولية الإدارة عن أخطاء القائمين على القضاء خاصة الجنائي، سيما في الجانب المتعلق بالتعويض عن الأضرار المرتبطة بالقضاء، كالاعتقال الاحتياطي والوضع تحت الحراسة النظري وأحكام الإدانة المؤسسة على خطأ، وأن هذا الاهتمام نابع من تنامي وعي المواطن على حقوقه في علاقته بكافة المرافق العمومية التي يشكل القضاء واحدة منها.

فيما وقف الدكتور خليل زكرياء، عن مختبر الأبحاث القانونية وتحليل السياسات عند السياق التاريخي لميلاد المحاكم الإدارية بالتزامن مع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان سنة 1992، وشروعها عمليا في مهامهما القضائية بتاريخ مارس 1994، مستعرضا ما ميز عقد التسعينيات من إصلاحات هامة ومنها المراجعتين الدستوريتين وانعكاس ذلك على المحاكم الإدارية، والتي يأتي إحداثها لصون الحقوق والحريات وفقا لتعبيره.
هذا وتنقل “مراكش الآن” أهم مضامين تدخلات المختصين في القانون العام والخاص، في مقاربة هذا الموضوع، وذلك في الجلسة العلمية الثانية التي ترأسه الدكتور عبد المالك الوزاني. 
في تقعيده لتطور الاجتهاد القضائي والسلطة التقديرية للإدارة، قال الدكتور عبد الكريم حيضرا، أن السلطة التقديرية تباين الفقهاء القانونيين في تعريفها، حيث قال الفقيه “ميشو”بأنها:” تلك الإمكانية المتاحة للإدارة للتصرف بحرية دون أن يكون مضبوطا من طرف القاعدة القانونية”، وإقرار الفقيه “ازلمان”، بأنها:” كل قاعدة تترك هامش من الحرية وليس قاعدة إجبار في حد ذاتها فيها سلطة تقديرية كل قاعدة فيها عبارة يمكن ففيها حرية”، وهو ما يعني وفقا لاستنتاجاته أن مهمة القاضي الإداري تتحدد في التوفيق بين مستلزمات العمل الإداري والحقوق والحريات.
وارتباطا بالقضاء الإداري المغربي، فقد كشف الأستاذ الباحث حيضرا، أن القضاء الإداري في بلادنا عرف تطورا كبيرا غير أن تنوع النشاط الإداري وتطور المحيط السوسيوقانوني للمغرب جعل توجه الموازنة أمام ضرورة التقييم، وهو ما قاد القضاء الإداري المغربي الى تبنى نفس الحدود القضائية التي تبناها القضاء الإداري الفرنسي في الرقابة على السلطة التقديرية الإدارية في نظريتين هما: نظرية الموازنة ونظرية الخطأ الفادح والبين، وأن الاجتهاد القضائي الفرنسي تبنى هذه النظرية الأخيرة واعتبرت محكمة النقض المغربية في إحدى القضايا المعروضة أمامها أن السلطة التقديرية للإدارة لا تخضع للرقابة إلا إذا مسها غلو من طرف الإدارة.
وسجل الأستاذ الباحث حيضرا ملاحظات دقيقة تهم القضاء الإداري ما بين 1995 و2018، حيث تعمد القضاء الإداري استعمال عبارة السلطة التقديرية والحرية في استعمالها، مادامت قراراتها معقولة ومقبولة، وأنه عند صياغة الأحكام يتم استعمال عبارة الغلو بدل عبارة الخطأ الفادح والبين وهو ما حاصر معظم التطبيقات النظرية على المادة التأديبية للموظفين، وأن تبني التوجهات الحديثة في الرقابة على القضاء الإداري عرف طفرة نوعية لحماية الحقوق والحريات، منتهيا إلى أن الإشكال يكمن في بطء تنفيذ الأحكام الصادرة ضد الإدارة.
من جانبه وفي سياق مقاربته لموضوع الندوة من جهة المقاربة الدستورية، وقف الدكتور محمد الغالي، أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاضي عياض بمراكش، عند سؤال: “إلى أي حد نتوفر على الخلفية المرجعية للدولة؟” أن المدخل الرئيسي للفهم هو السياسات العمومية، والتي ينبغي الانطلاق منها واعتبارها مرجعية، وأنه في مجموعة من الحالات يتم الوقوف عند أحكام قضائية يقال أنها تتعارض مع كيان الدولة، وبالتالي كيف يمكن للقاضي أو الموظف أن يكون في قراراته ندا وضدا للدولة؟ باسطا في معرض تفكيكه لهذا التساؤل رؤية دستور 2011 الذي يقوم على: تمكين كل مواطن من الكرامة الإنسانية، تنمية مستدامة عبر التكافؤ الفعلي للفرص في الولوج إلى مختلف أسباب الرزق والثروة، تمكين المواطنين من التوزيع المنصف للثروة على أساس قواعد الإنصاف والعدالة، واستعرض في هذا الجانب جانبا من المبادئ الدستورية (حكم القانون، العدالة والمساواة، الثقة والشفافية، الفعالية والنجاعة، المشاركة، الاستقلالية…) التي اعتبرها المحدد العام، لأن أية مقاربة عمودية لا يمكن لها أن تكون مجدية.
وأردف الدكتور الغالي، رئيس شعبة القانون العام في ورقته العلمية، أن أحكام القضاء لا تطرح أي مشكل على مستوى الموضوع، بقدر ما تطرحها على مستوى الكيف، بالنظر للمشكل الذي تطرحه الآليات، حيث قال: “بالنسبة للفصول الحالية تحدد لنا المبادئ الناظمة لعمل أي قاضي، القاضي الإداري هو المشرع، الفصل 117 حدد مهمة القضاء الإداري في حماية الأمن القضائي وحماية حقوق الناس، ما هي إذا المعايير الدينامية المتحولة التي تساعدنا في التمييز بين العمل الإداري والعمل السيادي وعمل من نوع آخر، خاصة إذا تعلق الأمر بنفس الشخص الذي يمارس أعمال لا يمكن مراقبتها وأعمال أخرى كباقي المواطنين”.
وقال بأن دور القاضي الإداري في الحفاظ على الأمن القضائي أعقد من القضاء العادي، نظرا لعدم تكافؤ المعادلة، لأن الدولة تتميز بامتيازات السلطة العامة عكس المواطن، وذلك في تحليله لتجليات مفهوم القضاء الإداري وطبيعة النزاع بين الإدارة والمواطن، مشددا أن أي حكم قضائي لا يحقق الأمن، الأمان، الثقة، الحماية، الاستقرار، السلم والتنمية فهو شيء آخر، مقدما مثالا عمليا لنزاع بين إدارة كلية الحقوق بمراكش وطالبة جامعية حاصلة على ديبلوم غير معترف به من القطاع الخاص، وجرى تسجيلها في تخصص الإجازة المهنية، وكيف رفضت الإدارة تمكينها من ديبلوم الإجازة لعد استكمال التكوين وتطور النزاع إلى القضاء الإداري وقول هذا الأخير بمنح الطالبة إجازتها المهنية.
وعودة إلى المسألة الدستورية، أوضح الغالي، أن لتأطير الدستوري لكيان الدولة في علاقته بمسألة خلفية الحكم القضائي الإداري، يقضي بالنظر إلى الدولة من خلال ما تقوم به من خلال الصحة والتعليم ومختلف مناحي الحياة، لأنها لم تعد ذلك الكيان غير المعروف صاحب العظة والقداسة، وخلص إلى أن السلطة، القيم والثروة هي العلاقة بين المدخلات والمخرجات والتي تعكس التفاعل الايجابي بين مبدأين الشرعية والملاءمة من جهة، ومن جهة ثانية إلى أن النصوص القانونية أحيانا تجيب وأحيانا لا تجيب وحتى وان أجابت، فإن النصوص تكون متخلفة عن الواقع، وأن دستوري 1662 و1992 ليسا بنفس الحمولة القيمية، لتلك التي يتضمنها دستور 2011 من حيث النجاعة والفعالية والاستدامة.
وفتح الدكتور الغالي العدالة القضائية أمام أربعة عناصر يمكن من خلالها فهم أحكام القضاء الإداري: طبيعة النظام السياسي، توزيع الأدوار الاقتصادية والاجتماعية، طبيعة المصلحة العامة، عتبات الاستجابة للمطالب، مؤكدا أن العدالة القضائي تقع في صلب الهندسة الدستورية لدستور 2011.
وفي مداخلته المعنونة ب: “دور القضاء الإداري في حماية حرية تأسيس الجمعيات”، تناول الأستاذ الباحث عبد العالي ماكوري، ازدواجية الأدوار التي تلعبها السلطة المحلية التي تنصب نفسها ثارة كقضاء وتارة مشرعا وتارة مغتصبا لسلطة ما في تأسيس الجمعيات الذي يكفله القانون، مستحضرا مجموعة من قرارات المحاكم الإدارية، التي استشف من خلالها أن القاضي الإداري تدخل في عدة مناسبات لرد حق، مثيرا مشكلة قانونية عن الكيفية التي يمكن بها لجمعية لم تؤسس بعد ورفض تأسيسها الترافع أمام القضاء الإداري علما أنها لا تتوفر بعد على الشخصية المعنوية التي تخول لها ذلك، وأن مهمة البث في ملاحظات السلطات المحلية بخصوص الجمعيات، هو من اختصاص النيابة العامة لأن القاضي الإداري ليست له السلطة التقديرية بشكل صريح. مفضيا الى أن السلطة الإدارية لا يحق لها رفض الإذن بتأسيس جمعية وتسليم وصل إيداع ملفها، مطعما مداخلته بقرار لدى ادارية الرباط، بعد أن رفضت مؤسسة الوالي تسليم جواز سفر لمرتفق، اعتبرته إدارية الرباط قرارا غير ملزم وهو القرار الذي وصفه بالجريء.
أثارت الاستاذة جميلة التومي، قاضية بالمحكمة الإدارية بمراكش، الإشكالات العملية والمسؤولية الإدارية في الخطأ الإداري، حيث كشفت أن القضاء الإداري أخذ بعين الحرص واقع الممارسة القضائية واقتنع بضرورة تأمين حقوق المرتفقين للعدالة من خروقات الإدارة، بعد أن تعذر مساءلة الدولة باعتبارها صاحبة السيادة أو الحرص على المرفق العام وميزانية الدولة وحجية الأمر المقضي به، كلها حيثيات أفضت إلى ضرورة مراجعة مجموعة من الأعمال القضائية، وذلك بإحاطة عمل القضاة ببعض الضمانات دون تدخل أو خوف، في إطار استقلالية السلطة القضائية، مستحضرة الفقه والقضاء الفرنسيين في ذهابهما إلى حق المتضرر من التعويض من الخطأ القضائي، دون اشتراط جسامة الخطأ، وقالت:” الباحثون يذهبون إلى أن القضاء في صدر الإسلام هو السباق لتعويض المتضرر من أحكام القضاء كما هو الحال عند عبد الملك بن مروان الذي أحدث ديوانا للمظالم، وألزم القضاة بالتعويض عن الخطأ القضائي وتحميل الدولة دفع التعويض”، وأن التشريع المغربي أجازه في حالتين هما: مخاصمة القضاة طبقا للفصل 81 من قانون الالتزامات والعقود والفصول 391 إلى 399 من قانون المسطرة المدنية، والحالة الثانية هي المتعلقة بمراجعة الأحكام المنصوص عليها في الفصول 565 إلى 574 من قانون المسطرة الجنائية.
ومع اعتماد أحكام الدستور الجديد لسنة 2011 تقول نفس المتحدثة، أقر الفصل 122 من الدستور صراحة حق كل متضرر من التعويض أمام كل حكم قضائي، وتبنيه صراحة لسمو الاتفاقيات الدولية على القوانين الداخلية وفي ذلك تبني صريح لاتفاقية الحقوق المدنية، سيما في المادة 9 منه والتوصية 17 الصادرة عن المؤتمر الدولي السادس بروما الذي يقضي بالتعويض عن الحبس المؤقت إذا كان نتيجة خطأ.
وحول الجهة المختصة بالبث في التعويض على الأحكام التي ترتب عنها خطأ، أبرزت القاضية التومي، أن موقف المحاكم الإدارية كانت عموما قبل دستور 2011 تقول بعدم مسؤولية الدولة عن الخطأ الإداري إلا في حالتين: في حالة مخاصمة القضاة ومراجعة الأحكام التي يعود فيها الفصل للغرفة الجنائية بمحكمة النقض، مستعرضة نماذج لأحكام قضائية في المحاكم الإدارية السبعة في بلادنا، إلا أن هذا التوجه بعدم إمكانية بث المحاكم الإدارية في هذا النوع من القضايا سرعان ما أخد توجها آخر بعد 2011، حيث كانت المحكمة الإدارية بأكادير سباقة في القول بالتعويض عن الأضرار، تلتها المحكمة الإدارية بوجدة التي اعتبرت المحكمة مرفقا وشخصا من أشخاص القانون العام، وأن التعويض عن هذه الأضرار تخص المحاكم الإدارية، معززة ذلك بالرجوع إلى المادة 8 من القانون المنظم لها والذي لم يستثني فيها المشرع دعاوى التعويض.