اخبار جهة مراكش | الأحد 8 سبتمبر 2019 - 13:02

الدكتور محمد بنشقرون: تخليد 8 شتنبر مناسبة لتقييم حصيلة مشاريع المحافظة على الثرات بمدينة مراكش والاستفادة من التجارب الدولية

  • Whatsapp

ومواكبة شأن التراث على مستوى المدن المصنفة تراثا عالميا امر أساسي للمحافظة على الموروث المعماري الثقافي المحلي

الدكتور محمد بنشقرون – مراكش

ماذا أعدت مدينة مراكش و”خبراء الثرات” على المستوى المحلي لتخليد الذكرى 26 ليوم التضامن للمدن المصنفة تراثا عالميا؟
في اليوم الثامن (8) شتنبر من العام 1993، تم تأسيس منظمة المدن المصنفة تراثا عالميا بمدينة فاس، ولتخليد هذه الذكرى تم الإعلان على تاريخ 8 شتنبر يوما للتضامن للمدن المصنفة تراثا عالميا.
تعتبر منظمة المدن المصنفة تراثا عالميا من أكبر المنظمات الدولية المهتمة بالمحافظة على التراث، حيث تنظم كل سنتين مؤتمرها العادي في احدى المدن المنظوية تحت لواءها.

ففي المؤتمر الاخير للمنظمة (المؤتمر 15) الذي احتضنته مدينة كراكوفي ببولونيا من 2 إلى 5 يونيو 2019، وكان التقاء اجتماعه “التراث والسياحة: المجتمعات المحلية والزوار مسؤولية مشتركة” وشاركت في هذا اللقاء أكثر من 200 مدينة وكان الهم الوحيد الذي حمله المؤتمر هو الخروج بتوصيات تتعلق بالمحافظة على التراث.

واذ يبقى التطلع في خضم الحركة الدولية للمحافظة على الثرات، تنظيم لقاءات محلية لمناقشة توصيات المؤتمر الاخير للمنظمة واستحضار التجارب الدولية للاستفادة واكتساب التجربة في الميدان، لاسيما، وأن عملية الترميم والمحافظة على التراث تستدعي مجهودا جبارا على المستوى الفكري والمادي والتنفيذي.
وفي هذا السياق، تقوم بعض المدن التابعة للمنظمة من خلال إحياء هذه الذكرى بعدد كبير من التظاهرات الثقافية على المستوى المحلي وعلى سبيل المثال:

– مسيرة التضامن حول الثرات على مستوى المدينة (التعبئة)،
– أنشطة ثقافية متعلقة بالتراث لفائدة ساكنة المدن على مختلف الفئات العمرية،
– تنظيم ورشات للتراث لفائدة التلاميذ،
– ندوات صحافية في موضوع التراث،
– تنظيم مهرجان التراث مع إشراك عدد كبير من الفعاليات ومكونات المجتمع المدني،
– بث اعلانات خاصة بالتراث على مستوى مختلف وسائل التواصل،
– رفع الاعلام الوطنية مصحوبة بعلم منظمة المدن المصنفة تراثا عالميا،
– بناء نصب تذكاري لتخليد الذكرى،

وبكون اعتباري مهتما بالتراث واغتنم هذه المناسبة لإبداء الرأي في مجموعة من المبادرات والمشاريع التي تعرفها مدينة مراكش على مستوى المحافظة على التراث المادي واللامادي.
ففي الوقت الذي الذي نسجل فيه بكل امتنان واعتزاز تدخل السدة العالية بالله صاحب الجلالة الملك محمد السادس في هذا الشأن، بإعطاء تعليماته المولوية لتوفير ميزانية جد مهمة لم يشهدها تاريخ المدينة منذ عشرات السنين في هذا الباب وهو التدخل الذي يجب تثمينه باستثماره ضمن مساره الصحيح الذي شاءته الإرادة الملكية أن يكون مثاليا كي تصبح مدننا العتيقة تتمتع بنمط عيش على مستوى تطلعات الساكنة بادماجها جميع مواصفات التنمية المستدامة التي أصبح المحافظة على التراث يشكل أحد أجزائها الأساسية لتحسين وتثمين المجال داخل النسيج الحضاري العتيق.
إن المحافظة على التراث مسألة جد معقدة عكس ما يعتقده البعض الذي ينصب نفسه خبيرا في التراث، ولا هي مجرد عروض أو محاضرات(بدون نقاش) في شأن بعض الارشيفات التي توجد بخزانات يصعب الوصول إليها باعتبارها مفتوحة لفئات تعد محظوظة.
إن ما تعرفه مدينة مراكش من عملية ترميم للموروث الثقافي المعماري التاريخي يمكن اعتبارها مشاريع جد مهمة، غير أنها تطرح أكثر من تساؤل: نعم لمختلف مشاريع الترميم المتعلقة بالمباني التاريخية، لكن في إطار أي سياسة حضرية شمولية للمحافظة على التراث؟ ماهي الدعائم المنهجية التي تفرضها المحافظة على التراث على المستوى التقني؟ هل عمليات الترميم التي تعرفها مدينة مراكش خضعت للدراسات من طرف المهندسين المعماريين والمهندسين المختصين، علما، أن المنهجية الدولية تنص على المراحل التالية:

* مرحلة الدراسات والمعاينة لتحديد النقط التالية:
– القيم التاريخية والمعمارية للبنايات القديمة.
– دراسات مختلف مكونات المعالم التاريخية.
– دراسات التغيرات التي لحقت بالبنايات عبر التاريخ.
– دراسات متعلقة بالوقاية وأمن البناء.
– دراسات هيكلة البنايات، وذلك، على مستوى الفهم الواضح لنوعية الهيكلة وسلوك مواد البناء، التقنيات المستعملة خلال البناء، التغيرات والظواهر التي عاشتها المباني التاريخية وحالاتها الراهنة.
– دراسات على مستوى النوعية المبنية على الملاحظات المباشرة المتعلقة بالعيوب وتدهور البنايات القديمة.
– دراسات على مستوى الكم مبنية على البحوث التاريخية والاركيلوجية التي تهم التجارب الخاصة وتتبع المعلومات وتحليل هيكلة المباني التاريخية.
– دراسات أسباب الاضطرابات التي عرفتها هياكل البنايات من جهة والسلامة الوقائية وأمن المباني من جهة أخرى.

* مرحلة التقديم الصريح لمشروع الترميم الذي يضم جميع المعلومات المتعلقة بالوثائق المتوفرة على مستوى التشخيص والأمن والوقاية ومختلف الاقتراحات المعمارية المتعلقة بعملية الترميم (ملفات تقنية خاصة بالمهندس المعماري والمهندسين المختصين).

* مرحلة برنامج المراقبة والتتبع (التقويم المنهجي):
من خلال هذه المنهجية وجب الوقوف عند ثلاث فرضيات جد مهمة يجب اخدها بعين الاعتبار في عملية الترميم:
– قيمة الاستخدام للمباني التاريخية، حيث أن الساكنة تطالب اليوم أكثر من أي وقت مضى بحقها في استغلال هذه المباني، وذلك بالبحث في عملية الترميم على تثمين نمط العيش والمجالات العمومية المجاورة للموروث التاريخي والثقافي.
– القيمة التذكارية، وذلك لمحاربة العصرنة والدفاع على آثار الماضي، لدى، وجب اعتباره اساسا(المحافظة على التراث) في عملية الترميم.
– القيمة الاقتصادية والايكولوجيا المراد منها وضع حد للضياع بصفة عامة والاسمنت بصفة خاصة، وذلك، باستعمال المواد المتوفرة محليا.

من خلال عرض هذه المنهجية، فالمحافظة على التراث تفرض الأخذ بعين الاعتبار مواضيع أخرى غير المواضيع والاشكاليات المتبعة من طرف المؤسسات المسؤولة عن المحافظة على التراث والسلطات الرسمية، إذ أن تحليل ودراسة المحافظة على التراث يلزم أخذه بالاعتبار عنصرا في تحريك إعادة التأهيل الحضري حيث يمكن أن يلعب دورا اخر غير دور واجهة المدينة لإرضاء المتطلبات السياحية.

لذلك، يجب اعتبار التراث من الموارد الاساسية مادة للتجديد في خدمة تحسين نمط عيش الساكنة، وذلك بدمج خاصيات التنمية المستدامة في إطار مشاريع ترميم الماثر التاريخية.
وإذا، في الوقت الذي تشهد فيه بعض المعالم التاريخية عملية الترميم، وتتم ضمن تستر في غياب المعلومات التقنية الخاصة بالترميم بمدينة مراكش، غمرتني سعادة كبيرة إذ شاهدت من خلال زيارة لمدينة الدار البيضاء ورشا كبيرا لأحد مشاريع المدينة على سياج الورش أن عملية البناء يمكن تتبعها يوميا بكل تفاصيلها عبر موقع إلكتروني تابع للشركة صاحبة المشروع، مما سيمكن المواطن من الاطلاع على نوعية الاشغال والمراحل التي وصل إليها تنفيذ المشروع (لمن يهمه الامر).

إن هذه المساهمة المتواضعة قد اكتفت بتناول الجانب المنهجي في مشاريع المحافظة على التراث، والتي أريد ختمها بفلسفة أحد اساتذتي وهم : بيير مرلان- وفرنسواز شوي حيث يؤكدان في احدى كتاباتهما على المحافظة المندمجة التي تحدو إلى معالجة المباني التاريخية (الترميم – المحافظة – إعادة التأهيل) وذلك باستعمالها من طرف الساكنة ودمجها في وثائق التعمير الحضرية والقروية على مستوى تنظيم المجال بمختلف مقاييسه.