اخبار جهة مراكش | الثلاثاء 7 أبريل 2020 - 10:35

الدكتور محمد الغالي: “نعيش اليوم تعبئة عامة لمواجهة عدو جارف، لا يرى ولا يلمس، ويزحف بشكل سريع وهدام”

  • Whatsapp

قال الدكتور محمد الغالي أستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بكلية الحقوق بمراكش، في حوار مع يومية المساء، إن أسلم وسيلة لتدبير هذه الأزمة الجائحة هو تحقيق التعبئة الوطنية الشاملة، من خلال أسلوب الحجر الصحي في البيوت، وعزل المجالات، التي تشكل بؤرة لانتشار “الفيروس”، ولما لا تطبيق الحجر على الأحياء المهددة بشكل كبير، وحماية الأحياء المجاورة بالحجر عليها كذلك.

وأوضح الدكتور الغالي أن ما يقوم به رجال الأمن والسلطة تمليه ظرفية استثنائية ونجاح التدابير يتحقق بالانصياع للتعليمات، مضيفا أن تفجر الأخبار الزائفة يشتت تركيز المسؤولين فيما هو أهم ويحصر دور الإعلام المهني والمسؤول.

حاوره: عزيز العطاتري / يومية المساء

في ظل الاوضاع الراهنة ما الاليات المطلوبة لتدبير الازمات. “كورونا” نموذجا؟

حسب معطيات تدبير الأزمة في الدول الأولى، التي عانت من تداعيات الفيروس القاتل “كورونا”، خاصة حصيلة تجربة الصين في مقاومة هذه الجائحة، فإن أسلم وسيلة لتدبير هذه الأزمة الجائحة هو تحقيق التعبئة الوطنية الشاملة، من خلال أسلوب الحجر الصحي في البيوت، وعزل المجالات، التي تشكل بؤرة لانتشار “الفيروس”، ولما لا تطبيق الحجر على الأحياء المهددة بشكل كبير، وحماية الأحياء المجاورة بالحجر عليها كذلك.
ثم اتخاذ الاحتياطات اللازمة الطبية لإسعاف المصابين بحسب درجة تمكن “الفيروس” منهم، مع نهج أسلوب التعقيم من طرف السلوكيات الفردية بخصوص كل المواد الفعالة في نقل الفيروس، وكذلك تحمل السلطات العمومية الساهرة على إدارة مختلف المرافق العمومية مسؤولية ومهام بتأمين تعقيمها بشكل مستمر…

كيف يمكن تفعيل آليات الوساطة، من أجل ضبط الوضع العام في ظل انتشار فيروس “كورونا” المستجد؟

مقاومة الفيروس المستجد، أثبت بأن جهود السلطات لا تكفي لوحدها في مواجهة مخاطره، خاصة وأن المواطنين ينظرون دائما أو يتلقون أوامر السلطات، التي يوكل إليها التدخل على أنها عنف مسلط عليهم، وبالتالي تتولد عند المواطنات والمواطنين سلوكيات انفعالية، مما يترتب عنه ردود أفعال تنتهي أحيانا بالعنف، وهو ما لا ينظر إليه بعين الرضا. وعليه لتفادي السقوط في هذا النوع من السلوكيات في معالجة الأزمة، لا بد من لعب مؤسسات الوساطة خاصة الاجتماعية لأدوارها، وأقصد هنا في هذا المقام منظمات المجتمع المدني، وحتى دور مناضلي الأحزاب السياسية في التأطير والتوعية والتحسيس بالمخاطر، لأنه عمليا يصعب على رجل السلطة لوحده، وهو مطالب بتنفيذ التعليمات بشكل صارم ودقيق، أن يلعب هذا الدور، دور التحسيس والتوعية كي يخضع الخارجين عن احترام إجراءات الطوارئ الصحية. فالدور الإجباري، الذي تقوم به السلطات المحلية يكون لاحقا على دور منظمات الوساطة في التحسيس والتوعية وليس سابقا عليه…

أين تتمثل أدوار الأحزاب السياسية وجمعيات المجتمع المدني في خضم أزمة فيروس “كورونا”؟

الدور الذهبي الآن للأحزاب السياسية من خلال مناضليها، والجمعيات المدنية وغيرها من خلال منخرطيها، هو القيام بواجب حملات التحسيس والتوعية، التي ستيسر التفاعل الإيجابي مع قرارات السلطات المحلية المختصة، لتجاوز هذا الظرف الطارئ. على اعتبار أن الصبر والتحمل لإجراءات الحجر الصحي الآن، سيمنح للجميع فرصة العيش غدا. وبهذا ستجد قرارات السلطات إنسيابية أكبر، وتفاعلا إيجابيا، ومسؤولية، وواعيا بحساسية الظرفية الطارئة.

ما هي أهمية الاعلام في تدبير الأزمات، التي تزيد الاخبار الزائفة بزيادة منسوب القلق الاجتماعي، والمس بالسلامة النفسية للمواطن المغربي؟

أكيد بأن القوانين المغربية وخاصة دستور المملكة المغربية يعترف بالحق للجميع في المعلومة، مما سمح بتداول مهم للمعطيات والمعلومات، والتي أصبح مصدرها بشكل أساسي المواطنات والمواطنين، من خلال الهاتف النقال، الذي يسمح بتصوير المشاهد والأحداث ونقلها. لكن الذي ظهر، بأن التسابق في نشر الخبر، وفي غياب المهنية والاحترافية، يسقط أصحابه في انحرافات الأخبار الزائفة أو المفبركة أو غير الدقيقة، مما يقود إلى حالة اللا أمن المعلوماتي لدى المستقبلين لهذه المعلومات، ويخلق وضعا مضطربا وغير مستقر، وهو ما يهدد طمأنينة وسكينة الناس من جراء تداول أخبار، خاصة وأن الزائف لا ينقل اإلا ما هو مفزع ومرعب. فتفجر الأخبار، التي مصدرها وسائل التواصل الإجتماعي الحديثة (الفايسبوك، تويتر، الواتساب…) حصر دور الإعلام المهني والمسؤول، وقلل من هامش تأثيره أمام السلع الرديئة، التي لا تكتشف كوارثها إلا بعد فوات الأوان..

هل يمكن اعتبار الآن ترويج الاخبار الزائفة مس بالنظام العام وأمن الدولة؟

ترويج الأخبار الزائفة يعتبر تهديدا للنظام العام، ومساسا بكيان الدولة وزعزعة لاستقرارها، كما يشكل فيروسا خطيرا يشتت تركيز المسؤولين، ولا يجعلهم يركزون على ما هو أهم، مما يضيع فرصة التحكم في مخاطر فوات الوقت. لكن في اعتقادي فرئاسة النيابة العامة بذلت مجهودات كبيرة ساهمت إلى حد كبير في التقليل من مخاطر الأخبار الزائفة والترويج لها…

كيف يمكن الآن ضبط وسائل التواصل الاجتماعي، وتوظيفها من أجل الخروج من أزمة “كورونا” بأقل الخسائر؟

بل أقول على ذوي الإرادات الحسنة أن يقتحموا وسائل التواصل الاجتماعي، ويسايروا تطوراتها المتسارعة، وعدم ترك هذا المجال فريسة أمام ذوي الإرادات السيئة، الذين لا يتوانون عن ابتزاز مختلف المؤسسات العامة أو الخاصة، وحتى الشخصيات العامة أو الخاصة، من خلال القدرة، التي اكتسبوها في الميدان. فترك الفراغ يستغل، وتكون نتيجته عكسية على الوضع العام. ثم لا بد من دعم دور القضاء في جزر كل المخالفات، في إطار معادلة الأمن الإلكتروني، التي لا تنفصل عن معادلة الأمن القومي للبلد…

نلاحظ حضورا قوي لرجال السلطة وعناصر الأمن. ماهي الرهانات والأدوار التي من المفروض أن يقوم بها هؤلاء؟

نعيش اليوم تعبئة عامة، من خلال حالة الطوارئ الصحية، التي تم إعلانها، وعليه الحضور القوي لرجال الأمن والدرك والقوات المساعدة والقوات المسلحة بمختلف الأسلاك، ورجال السلطة بمختلف الأسلاك، يعكس الثقة الكبيرة في هؤلاء، والمساهمة على انخراطهم القوي والملتزم في تطبيق مختلف الإجراءات على مستوى الحجر الصحي، لكن إن كان دورهم لازما، فإنه يبقى غير كاف دون تظافر معه السلوكيات الإيجابية والمتفهمة من قبل الساكنة المعنية، التي يجب أن تعي جيدا بأن وقوف أي رجل من رجالات الدولة فهو إلى جانبها، من أجل ضمان سلامتها، عبر حمايتها من مخاطر الفيروس القاتل. وبأن ما يقوم به مختلف رجال الأمن والسلطة تمليه ظرفية استثنائية، نجاح تدابيرها يتحقق بالانصياع أولا للتعليمات، لأن الوضع لا يحتمل تضييع الوقت. فالحرب التي تقودها الدولة هي أمام عدو جارف، لا يرى ولا يلمس، ويزحف بشكل سريع وهدام، ويبقى الحصن الآمن في مواجهته هو التطبيق الشامل للحجر الصحي في مستوى البيوت والأحياء..

نلاحظ حالات لجوء رجال السلطة إلى العنف الى جانب تعاطي البعض الاخر بحكمة مع بعد الممارسات المنفلتة عن قرارا السلطات بالمكوث في المنازل والخروج إلا للضرورة ووفق شروط. هل هذا الأمر له مبرراته في اطار ما يسميه ماكس فيبر بالعنف المشروع للدولة؟

يجب أن نشير إلى بعض المعطيات حتى نتجنب السقوط في بعض الأحكام الجاهزة أو المسبقة على رجال السلطة. أولا الظرفية غير عادية، وتدريبها لا يمكن أن يتحقق إلا بإجراءات جد مستعجلة واستثنائية، مما يعني أن التفعيل والتنزيل لهذه الإجراءات المتخذة، لا يمكن أن يتحقق إلا ببيداغوجية التعليمات، التي تتطلب تركيز القرار في وحدات جد مركزة، مع انصياع كل الساكنة لها دون نقاش أو مقاومة وبتفهم ومسؤولية، على اعتبار أن الوضع مؤقت ويحتاج نوعا من الصبر والتحمل.
وعليه حرص رجال السلطة على تنفيذ التعليمات، التي تعتبر الضامنة لسلامة الناس، عندما يصطدم بممانعة بعض سلوكيات الناس، وحرص رجل الأمن أو السلطة على التغلب على عامل الزمن، وعدم تضييع فرصة الاخضاع للتعليمات، بمثابة صمام أمان لتحقيق السلامة، ومحاولة للتحكم في بعض الاستفزازات الصادرة عن المواطنين، التي تكبح سرعة مواجهة الخطر، فإن الاحتكاك يكون سيد الموقف، مما يقود إلى صدور ممارسات يطغى فيها الشطط في استعمال التعليمات بنية محمودة، حرصا مرة أخرى على عدم تضييع الوقت في إحالة المستفز بسلوكه العصياني على المسطرة الزجرية.

كيف يمكن ان يتم تغيير هذه الممارسات وهل افراد المجتمع لهم مسؤولية في خروج بعض ممارسات رجال السلطة عن السيطرة؟

أشير إلى أن كل مكلف بتطبيق تعليمات حالة الطوارئ، وخاصة رجل السلطة، فهو يجد نفسه بين مطرقة حالة الطوارئ، وما تفرضه من إجراءات، وسندان احترام القانون، وخاصة في بعده الحقوقي، من خلال ضرورة التقيد بالمعاملة اللائقة مع الساكنة، وعدم التعنيف لا المادي ولا الرمزي. وسندان الملاءمة، يركز على تحقيق النتيجة، وهي سلامة الساكنة، مما يسقط سلوك المعالجة والتعامل أحيانا في الشطط، الذي يقاس على أنه تعامل غير لائق، خاصة وأن هذه السلوكيات غالبا ما تصدر من فئات غير متفهمة، أو بدورها مصدومة من هول فاجعة الفيروس، مما يجعلها تتصرف بشكل غير عقلاني، تصرفات تهيمن عليها العاطفة والسلوكيات العفوية، فالفاقد للشيء لا يعطيه.

ماهي الاسئلة الكبرى والملفات التي ستطرح على الحكومة مستقبلا باستحضار ازمة كورونا؟

نتمنى أولا الخروج من هذه الجائحة بسلام وعافية لبلدنا وللقائمين على تدبير أموره. وأعتقد بأن قياس الأمور فقط بما هو مادي، لا يسعف في المعالجة، حيث يجب التعبئة الشاملة من أجل استمرار التضامن الوطني بين المواطنات والمواطنين، والتعاون بينهم وبينهن كل حسب سعة مقدرته، حتى لا يهيمن مرة أخرى الجشع، الذي سيكون السبب في مس أمن وطمأنينة وسكينة الناس، وتفادي تهافت المتخلفين.
ولا شك أن ما وقع مباشرة بعد الإعلان عن خلق صندوق مواجهة كارثة كورونا، تسابق الجاشعون لوضع طلبات الاستفادة، دون أي اكتراث بأننا في وضع أزمة مؤلمة. فالأخلاق والواجب القيمي يقتضي عدم الكسب من آلام الناس…