أراء | الجمعة 23 سبتمبر 2022 - 20:16

الدكتور بنطلحة يكتب: اعترافات في المزاد

  • Whatsapp

الدكتور محمد بنطلحة الدكالي – مدير مركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء

يقصد بالمزاد العلني كما هو معلوم، عملية البيع والشراء التي تتم وفقا لمبدأ المزايدة على السعر، حول أصول عقارية أو تحف فنية، لكن يمكن أيضا أن تشمل هذه المزايدات شراء الأصوات والضمائر والاعترافات، دون إعطاء أي اعتبار للأخلاق أو القانون، خاصة بالنسبة لشبه دول ألفت أجواء هذا المزاد.

ومن أساسيات المزاد، أن يكون هناك بائع للمزاد، له خبرة طويلة في السمسرة وباع كبير في عمليتي البيع والشراء، يناقش العروض والأسعار، في سوق علني تعرض فيه المبادئ العامة للبيع.

إنه يظهر في صفة رجل دولة، حيث يبدو ظاهريا أنه مكلف بمهمة ديبلوماسية، أما وراء الستار فهو مخادع محتال، همه الأساسي ليس الدفاع عن مصالح بلده وشعبه، بل شراء الأصوات والاعترافات لكيان وهمي لايتوفر على أي أرض أو هوية.

وهو وكيل عصابة تستولي على العديد من الآبار النفطية، لذا لايهمه المال أو الثمن، بقدرما يستلذ وزبانيته بإشعال النار والفتن، ومعاداة جيرانه بشكل مرضي، لأنه يعاني من متلازمة وهم التفوق والعظمة الزائدة.

إن وكيل العصابة يطوف العالم طولا وعرضا، يجري وراء السراب محملا بالحقائب المالية وشيكات الصناديق السوداء.

إنه سمسار محترف، يتقن دور البهلوان، يضع العديد من الأقنعة على وجهه، ويرتدي قبعات حسب متطلبات كل دور “تقرير مصير الشعوب، حقوق الإنسان، نصرة المظلومين، البحث عن الجماجم، ريع الذاكرة، نعال الفراعنة، أحاديث ملفقة… والعديد من الترهات”، يعشق الحكي ولغة التضليل، يتظاهر أنه يتباكى ويتماهى مع صوت المظلومين، حتى يكاد بعض المغفلين يخالونه من القديسين.!!..

الناس في بلد سمسار العصابة، يعانون الفقر وضنك العيش، حتى باتوا يقفون في طوابير طويلة من أجل لقمة خبز أو لتر حليب وماء، إنهم شعب مقهور ومغلوب على أمره تبدد أمواله رغما عنه جريا وراء السراب، موهمين الجموع الفقيرة أن موعدهم الجنة لأن شعب الشهداء لايحاسب بل سيدخلون إلى النعيم من كل الأبواب.

إن العصابة تمارس مقامرة مرضية، مما يدفعهم إلى المخاطرة والمجازفة بكل شئ، وكأن ذلك دفاع بالخوف ضد الخوف الذي يسكنهم في الأعماق، وهو مايتفق لحد كبير مع ماأورده ” ديستوفسكي” في روايته” المقامر” حين قال: “كان علي تلك اللحظة أن أتصرف، ولكن إحساسا غريبا قام في نفسي، هو رغبة في استفزاز القدر.. فجازفت بأكبر مبلغ تجوز به المقامرة.. فخسرت، فازدادت حرارة رأسي فأخرجت كل ماكان تبقى لي من نقود فوضعته فخسرت أيضا”.

إن النزعة الاستعراضية لدى المقامر المرضي تتفاعل مع شعوره اليقيني بالقدرة على التحكم في مجريات اللعبة، وهي ما أطلق عليها علماء النفس (وهم السيطرة المطلقة) فتدفعه للمجازفة أكثر، فهو يعاني من رغبة جارفة لأن يكون مركز الكون، وأن تسلط عليه الأضواء، ويصبح حديث الساعة، إنه يبحث عن وهم السيطرة المطلقة.

أيها السمسار العجوز، توقف، تمهل، كف عن الجري بين القارات وأنت في خريف العمر، خذ نفسا عميقا لتقرأ مليا توصيف العجوز “أنطونين” في رواية ديستوفسكي حين قامرت بكل ماتملك، وجازفت باختيار خانة الصفر، حتى خسرت كل أملاكها.

خانة الصفر تقتل أيها العجوز، خانة الصفر سترمي بشعب شقيق إلى الهاوية والهلاك، حاول أيها العجوز أن تستفيق من لحظة انتشاء لحظي في سوق مزاد علني تعرض فيه الأصوات والاعترافات في حفل تنكري لمن يدفع أكثر…حذاري..حذاري أيها العجوز…