أراء | الأحد 9 أبريل 2023 - 10:33

الدكتور برجاوي يكتب: المغرب والاتحاد الأوروبي: ممكنات “اللحظة” .. و”المدى البعيد”

  • Whatsapp

د. هشام برجاوي – أستاذ القانون الدولي بجامعة محمد الخامس – الرباط

تكتنف العلاقة بين الاتحاد الأوروبي والمغرب عدة خصائص، قادمة من التاريخ والسياسة والاقتصاد، ويكفي أن نلاحظ أنه في المغرب يتأثر نمط التدبير الإداري وكيفيات إنتاج القواعد القانونية، وبصفة أشمل صيغة توزيع السلطة السياسية المتضمنة في الدستور، بالنموذج الأوروبي وخاصة الفرنسي. كما أن الشراكة الأوروبية – المغربية ترتبط بمجالات الأمن والهجرة ومكافحة التطرف الديني.

ورغم أهمية وتنوع روافد العلاقات المغربية – الأوروبية إلا أنها لا تتيح الجزم بنضوج اقتناع بين الطرفين حول وجود “مصير مشترك بينهما”.

ومن بين المؤشرات التي يمكن الاحتكام إليها للبرهنة على حالة الحذر و”تقديس الآن أو اللحظة” السائدة بين الطرفين، موقفُ الاتحاد الأوروبي، كمنظمة دولية وكدول، من قضية الوحدة الترابية المغربية، ذلك أن ما يتم التصريح به على الصعيد الثنائي الذي يجمع المغرب بهذه الدولة الأوروبية أو تلك، يختلف عما يتم التصريح به على صعيد العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي باعتباره منظمة دولية بين-حكومية.

فعلى الصعيد الثنائي، جرى رصد تغيير لا يستهان به على صعيد العلاقات الثنائية الألمانية – المغربية وكذا العلاقات الثنائية الإسبانية – المغربية. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن مفردات الخطاب الدبلوماسي الرسمي الذي تتبناه كل من برلين ومدريد حيال قضية الصحراء المغربية لم تعد مطابقة للمفردات التي كانت مستخدمة خلال الحرب الباردة وفي غضون العقود الثلاثة الأخيرة التي أعقبت تفكك الاتحاد السوفييتي.

وفيما يهم العلاقة بين الرباط وباريس، فربط المسؤولين الفرنسيين لموقفهم من الصحراء المغربية بضرورة صدور موقف مشترك داخل الاتحاد الأوروبي أضحى، واقعا وقانونا، مبررا غير ذي جدوى، ذلك أن السياسة الخارجية اختصاص مسند إلى كل دولة-عضو، تدبره حسب مصالحها، وليست اختصاصا معهودا به إلى الاتحاد الأوروبي. لذا، فإننا نلاحظ تباين مواقف الدول-الأعضاء في التكتل الأوروبي حول الأزمات الدولية (مثلا : التغيير السياسي في سوريا، الملف النووي الإيراني، الصراع المسلح الروسي-الأوكراني … )، وهو ما يتيح الدفع بوجود “سياسات خارجية أوروبية” بصيغة الجمع وليس “سياسة خارجية أوروبية” بصيغة المفرد.

أما على صعيد العلاقة بين المغرب والاتحاد الأوروبي، فالوضوح النسبي، والذي يعتبر إنجازا قياسيا للدبلوماسية المغربية، الذي يطبع العلاقات ذات الأفق الثنائي يضعف أمام المعادلة الصعبة التي يقوم عليها البناء الأوروبي والرامية إلى إيجاد توازن مستقر بين ثلاثة إرادات يسود بينها، منذ ميلاد الاتحاد الأوروبي، التصدع، متمثلة في: إرادة الحكومات وإرادة الشعوب والمصلحة الاتحادية أو فوق-الوطنية. وهذا ما نلمسه في مواقف المؤسسات الاستراتيجية داخل النسق الإقليمي الأوروبي، فما أن يتحقق تقدم ما في العلاقة بين المغرب والمفوضية الأوروبية حول التعاون الاقتصادي والتجاري، حتى ينفجر موقف في البرلمان الأوروبي أو قرار لمحكمة العدل الأوروبية يسيء إلى الوحدة الترابية للمغرب.

نظرا لهشاشة بنائه الداخلي، ذلك أن وضعه الهجين يحوله إلى كائن قانوني أقل من دولة وأسمى من منظمة دولية بين-حكومية كلاسيكية، يحاول الاتحاد الأوروبي التموقع على نفس المسافة من جميع شركائه، مما ينتج عنه سعي الشركاء أنفسهم إلى البحث عن شراكات أخرى تحترم خصوصياتهم وقدراتهم التفاضلية.

إن المغرب، العضو في المنظمة العالمية للتجارة والمتميز باستقرار نظامه السياسي فضلا عن دوره الطلائعي في إفريقيا، لا يمكن، واقعا وقانونا، أن يتم التعامل معه كما تُعَامَل دول تشهد ارتجاجات سياسية واجتماعية عنيفة أو يتسم مستقبلها كدول بالغموض واللايقين، وهذا هو المعطى البنيوي الذي يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يستوعبه وأن يؤسس مفردات خطابه الدبلوماسي عليه.