أراء | الأحد 10 سبتمبر 2023 - 21:28

الدكتور بنطلحة يكتب: التحدي المغربي

  • Whatsapp

د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير مركز الدراسات والابحاث حول الصحراء 

تعرض المغرب، عبر تاريخه الطويل، لمجموعة من الأحداث المؤلمة والأزمات، والملاحظ أنه يخرج منها دائما منتصرا. إنه مثل طائر فينيق الأسطوري الذي ينبعث من رماده، ليعود ويحلق من جديد.

ومن بين هذه الأحداث، تأتي الزلازل باعتبارها أبرز الظواهر الطبيعية التي شهدها المغرب، حيث نجد زلزال 28 ماي سنة 818 الذي ضرب جبل طارق وأثر على الساحل المغربي وزلزال سنة 1079 الذي أدى إلى مصرع الآلاف من السكان وتدمير مدن وقرى بكاملها، وزلزال 1624 الذي ضرب مدينة فاس وتازة ومكناس، وزلزال مدينة مراكش سنة 1719.

ويبقى زلزال لشبونة 1775 بقياس 9 درجات على سلم ريشتر من أسوأ الكوارث الطبيعية في تاريخ المغرب، بل ومن أكبر الزلازل فتكا وتدميرا عبر التاريخ، حيث أعقبه تسونامي وحرائق، مما أدى إلى تدمير شبه كامل لعدد من المدن الساحلية المغربية.

ومن الزلازل الحديثة في تاريخنا المعاصر، نجد زلزال أكادير الذي تسبب في وفاة 15 ألف شخص وإصابة 25 ألفا رغم أن شدته لم تتجاوز 5,7 درجات فقط.

وفي 24 فبراير من عام 2004، تعرضت مدينة الحسيمة لزلزال عنيف بلغت قوته 6,3 درجات، وقد خلّف العديد من الجرحى والمعطوبين.

ويبقى زلزال منطقة الحوز الذي عرفته بلادنا مؤخرا هو الأعنف منذ قرن من الزمن، حيث أفاد المعهد الوطني للجيوفيزياء أن شدة الزلزال بلغت7,2 درجات، في حين قالت هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إن شدته بلغت 6,8 درجات.

إن هذه المحطات الكارثية والمؤلمة من التاريخ المغربي، هي لحظات مفصلية في تاريخنا المغربي، حيث أن كارثة الحوز أظهرت أن الأزمات تعتبر لحظة تجلي ومكاشفة لعمق الانتماء الوطني ودليلا صادقا على المعدن الأصيل للإنسان المغربي وعلى مدى الالتحام بين العرش والشعب في مواجهة التحديات، مما خفف عنا جرحنا الإنساني العميق وزاد في قوة وصلابة وعينا الجمعي.

إن الدولة المغربية بكل مؤسساتها أبانت عن روح وطنية عالية ومسؤولية في التدبير والتخطيط، مما يؤكد الحاجة الملحة لإعادة الاعتبار لمفهوم الدولة المنقذة التي بإمكانها مواجهة الاختلالات العميقة بإمكانياتها وقدراتها والتحامها الوطني من أجل الحفاظ على الاستقرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، وأن يبقى البلد سيدا في اتخاذ قراراته، حيث باتت «المساعدات» الأجنبية في بعض الأحيان تخضع للمساومة والابتزاز السياسي.

إن المغرب الدولة الأمة واجه فاجعة زلزال الحوز معتمدا على قدراته اللوجستية والأمنية وتضحيات أبناء شعبه، بفضل الرؤية السديدة والمتبصرة لملك البلاد الذي وجه تعليماته السامية بنشر القوات المسلحة الملكية بشكل مستعجل وإمداد المناطق المنكوبة بفرق البحث والإنقاذ من أجل تسريع عملية الإغاثة وإجلاء الجرحى وتوزيع حصص الأغذية والخيام على المنكوبين، والتكفل بالأشخاص في وضعية صعبة، وتقديم الدعم لإعادة بناء المنازل المدمرة في أقرب الآجال، وتشجيع الفاعلين الاقتصاديين بهدف الاستئناف الفوري للأنشطة على مستوى المناطق المعنية، والتعبئة الشاملة لمؤسسة محمد الخامس للتضامن بجميع مكوناتها من أجل تقديم الدعم ومواكبة المواطنين في المناطق المتضررة، وتشكيل مخزون للحاجيات الأولية على مستوى كل جهة من المملكة.

إننا أمام إدارة وطنية للأزمة وفق تخطيط استراتيجي ينطلق من تحديد الأهداف الرئيسية والتحليل المستمر للأزمة وتطوراتها، ووضع البدائل والاحتمالات المختلفة وتحديد مسارها المستقبلي من خلال التنبؤ والاختيار الاستراتيجي للإمكانيات المتاحة والموجودة، وفق التكيف مع التغيرات المفاجئة، وهي ليست عمليات ردود أفعال وليست انكماشية جامدة، بل إنها عبارة عن عمليات تسارعية مرنة تعتمد على الضبط والسرعة في الإنجاز وتضع المصلحة العليا للوطن فوق كل اعتبار في إطار قرار وطني مسؤول يمتلك رؤية نسقية لمواجهة هذه الكارثة عنوانه التحدي المغربي.