الدكتور العياشي الفرفار يكتب: مجتمع الدوارة وصراع الادخنة

الدكتور العياشي الفرفار يكتب: مجتمع الدوارة وصراع الادخنة

د. العياشي الفرفار – استاذ جامعي

لا حديث الا عن الدوارة مهما بلغ ثمنها، مؤشر على تحولات عميقة مست النسق القيمي للمجتمع، حين يصبح العيد الكبير صغيرا ! هذا النقاش اليوم هو درس لمن لا يتوقف في انتقاد الدولة والحكومة دون ان يلتفت الى نقد المجتمع.

الازمة اليوم هي ازمة قيم مجتمعية، الهوس بالدوارة لهذه الدرجة لا تعود اسبابه لشهية “بولفلاف”، بقدر ماهي نتيجة صراعات اجتماعية صامتة، حيث تصبح الدوارة اداة لتصريف الصراع وتحقيق التفوق وبناء الوعي بالسيادة وفق نظرية هيجل وبعده كوجيف في مفهوم الغيرية السالبة حيث كل وعي بالسيادة هي وعي سالب لوعي اخر.

بهذا تصبح الدوارة -في معنى من المعاني- اداة صراع من خلال الدخان المتصاعد منها. انها صراع ادخنة ومن سيكون دخان دوارته اعلى ويهيمن سماء الفضاء المشترك.

اتذكر حكاية في قريتنا كنت اسمعها عن صراع طويل ودائم التجدد بين اسرتين حول قطعة ارض مشتركة تقع بين منزل الاسرتين، الاسرة الاولى ميسورة الحال والثانية فقيرة، كان دخان الدوارة هو اداة الصراع، هو صراع يتجدد كل يوم الاثنين اي يوم السوق الاسبوعي، حيث ينتشر دخان دوارة الاسرة الغنية ويملأ الفضاء وهو رسالة تفوف ان من يسيطر على الفضاء سيسيطر على الارض.

وبالمقابل كان يلجأ اب الاسرة الفقيرة الى شراء الشحمة الرخيصة الثمن ويقوم بتدويرها على قطع من الخبر، المهم ان يتصاعد الدخان في اطار صراع الادخنة.

اليوم، تتجدد هذه الواقعة وهو مؤشر على علاقات اجتماعية متوثرة تبحث عن ادوات لتصريف العنف والصراع الصامت، مما يجعلني اطمئن الى فرضية صراع الادخنة.

لم يعد عيد الاضحى شعيرة دينية فقط، بل تحول الى اداة صراع سياسي في مواجهة الظلم والاستعمار، تاريخ المغرب الحديث يحفظ لنا وقائع كيف اصبح العيد فعلا سياسيا، حين رفض المغاربة اقامة عيد الاضحى احتجاجا على ازاحة الملك الشرعي محمد الخامس وتكليف محمد بن عرفة، الذي سماه الوطنيون بالسلطان الدمية، فكان قرار وطني مناضل بعرقلة إقامة صلاة عيد الأضحى وشعيرة الذبح.

كما امتنع المغاربة عن نحر أضحية العيد، احتجاجا على قرار الإقامة العامة القاضي بنفي محمد الخامس إلى جزيرة كورسيكا سنة 1953 وكان الامتناع ولم يكن منعا، لان المغاربة رفضوا ان تكون فرحة العيد على حساب احزان الوطن.

كما امتنع لمغاربة عن اقامة شعيرة العيد تضامنا مع المغاربة الذين طردهم النظام الجزائري في ليلة العيد، غضبا على نجاح المسيرة للخضراء فكان حدثا لا انسانيا لنظام الهواري بومدين حين طرد وشرد وسرق ممتلكات اسر مغربية وتركهم في العراء.

يبدو ان تغييرات حادة مست نسق القيم المجتمعية، حيث تحول عيد الاضحى من شعيرة دينية بابعاد جهادية ونضالية ومواقف سياسية وطنية، الى اداة لتصريف خصومات صغيرة وتحقيق امتياز التباهي الاجتماعي.

videossloader مشاهدة المزيد ←