
المجلس الأعلى للحسابات يناقش “مسؤولية المحاسب العمومي أمام القاضي المالي” بالرباط

نظم المجلس الأعلى للحسابات، الأحد بالرباط، لقاءً فكرياً تناول موضوع “مسؤولية المحاسب العمومي أمام القاضي المالي”.
وقد جاء هذا اللقاء في إطار فعاليات الدورة الثلاثين للمعرض الدولي للنشر والكتاب، وشهد حضوراً لافتاً لشخصيات قضائية وعدد من الطلبة والباحثين المهتمين بالشأن المالي والقانوني العام.
وأبرز المتدخلون خلال الندوة مختلف المهام والمسؤوليات التي يتحملها المحاسب العمومي أمام القضاء المالي، كما تطرقوا إلى الآثار القانونية المترتبة عن الإجراءات القضائية المتعلقة بالنظر في هذه المسؤولية.
في هذا الصدد، أوضح رشيد إنوني، مستشار مشرف بالمجلس الجهوي للحسابات لجهة طنجة-تطوان-الحسيمة، أن المحاكم المالية، من خلال بتها في الحسابات المقدمة من المحاسبين العموميين، تنظر في المسؤولية الشخصية والمالية لهؤلاء المحاسبين.
وأكد أن خصوصية تدبير المال العام تقتضي أن يرتكز نظام هذه المسؤولية على قواعد إلزامية وآمرة بشكل واسع.
غير أن إنوني أشار إلى أن هذا النظام، رغم بساطته الظاهرية، يخفي تعقيدات ومؤاخذات، من بينها غياب التوازن بين مسؤولية الآمر بالصرف ومسؤولية المحاسب الذي يتحمل مسؤولية موضوعية تثقل كاهله.
من جانبها، أكدت فاطمة بوزوغ، رئيسة غرفة التأديب المتعلق بالميزانية والشؤون المالية، أن الإدلاء بالحسابات من طرف المحاسب العمومي يمثل منطلقاً رئيسياً للعمل الرقابي، حيث يمكن من خلاله إثارة مسؤولية مختلف المتدخلين في تنفيذ عمليات النفقات والموارد.
وشددت على أهمية هذا الاختصاص في حماية المال العام، مستشهدة بمبالغ العجز المحكوم بها والمبالغ المسترجعة خلال مساطر التدقيق قبل إصدار القرارات النهائية، كما ورد في التقرير السنوي للمجلس.
وأبرزت بوزوغ أن نطاق مسؤولية التدبير قد توسع ليشمل حالياً جميع الفاعلين في تنفيذ العمليات المالية، وفي مقدمتهم الآمرون بالصرف، بعد أن كان مقتصراً في السابق على المحاسبين العموميين.
بدورها، اعتبرت حسناء التكركيفة، محامية عامة بالنيابة العامة لدى المجلس الأعلى للحسابات، أنه رغم وصف نظام المسؤولية المالية والشخصية للمحاسب العمومي في مادة التدقيق والبت في الحسابات بأنه مبالغ فيه، فإن خصوصيته تكمن في كون المحاسب هو المؤهل قانوناً وحصراً لمسك الأموال العمومية، مما يجعله مظهراً أساسياً لحماية المال العام.
وأشارت إلى جسامة مسؤولية المحاسب المبنية على الخطأ المفترض وغير المشروطة بفعل الغير، وعدم امتلاك القاضي المالي لسلطة تقدير العجز، مما قد ينتج عنه عدم التناسب بين العقوبة والخطأ.
لكنها أبرزت في المقابل وجود آليات قانونية وتنظيمية للتخفيف من هذه المسؤولية، مثل إلزامية التأمين وإمكانية الحصول على الإعفاء أو إبراء الذمة في حالات معينة.
من جانبه، تطرق مصطفى الحجامي، رئيس مصلحة العلاقات مع الجماعات الترابية بالخزينة العامة للمملكة، إلى الإطار القانوني لمسؤولية المحاسب العمومي أمام القاضي المالي، مستعرضاً مقتضيات القانون رقم 61-99.
وأبرز الازدواجية بين الرقابة القضائية للمحاكم المالية والرقابة الإدارية التي تضطلع بها المفتشيات. كما استعرض جهود الخزينة العامة لدعم المحاسبين العموميين عبر تحديث الأنظمة وتقليص الأخطاء، مقترحاً ثلاثة مستويات لإصلاح نظام المسؤولية: القانوني، المؤسساتي، والتدبيري والتكميلي.
وقد شكل اللقاء منصة للنقاش وتبادل الآراء حول هذا الموضوع المعقد والحساس، في سياق التطورات التي تعرفها منظومة المالية العمومية بالمغرب وأهمية ضمان الحكامة والمسؤولية في تدبير المال العام.
