الدكتور بنطلحة يكتب: الجزائر وخنق كتابة التاريخ

الدكتور بنطلحة يكتب: الجزائر وخنق كتابة التاريخ

د. محمد بنطلحة الدكالي – مدير المركز الوطني للدراسات والابحاث حول الصحراء

تداولت وسائل الإعلام الإسبانية مصادقة مجلس الوزراء الإسباني على مشروع قانون جديد للمعلومات السرية، يهدف إلى استبدال قانون الأسرار الرسمية الذي وضع سنة 1968.

القانون الجديد يرمي إلى رفع السرية عن الوثائق والمعلومات الرسمية بعد انقضاء مدة أقصاها60 عاما مع فترات زمنية متفاوتة حسب طبيعة الوثائق، مما سيفسح المجال أمام الباحثين والمؤرخين ورجال الإعلام في الكشف عن الكثير من الحقائق التاريخية التي ظلت طي الكتمان السري لأن التاريخ يصنع بالوثائق.

مشروع القانون هذا بعد المصادقة عليه، سيميط اللثام عن الكثير من الحقائق التاريخية التي تزكي مشروعية الملف المغربي في قضية الصحراء المغربية، وسيعري على الوجه الحقيقي للنظام العسكري الجزائري الذي ترعبه شمس الحقيقة، ويحلو له أن يعيش في الظلام عن طريق خنق كتابة التاريخ.

لقد استفرد الجيش الجزائري بالتاريخ وجعله حيزا يخصه كما لو أن الاقتراب منه يعد مساسا بصلاحياته حيث كتبوا بأنفسهم هذا التاريخ الذي يضخم العناوين ويخلو من القراءات والنقد والتحليل من أجل حشو العقل الجزائري بكثير من المغالطات والأوهام.

إن أهمية التاريخ الحقيقي تتأكد في حياة الشعوب من خلال تبيانه للجذور التي تنتمي إليها، حيث إن الأمة التي تجهل تاريخها هي أمة بلا هوية، وثمة ترابط عميق بين مفاهيم التاريخ والسياسة والهوية، لأنه يعتبر عنصرا أساسيا في التنشئة الوطنية وفي مسألة الصراعات وكذا صناعة المستقبل.

إلا أنه كثيرا ما كتب التاريخ بناء على تحيزات مذهبية أو عرقية أو سياسية، تصل حد الافتعال والاختلاق وتمجيد الذات وتوهم بطولات والعبث بالحقائق، من أجل خلق واقع تاريخي مزور، أي ما أراد المؤرخ أن يكون.

حيث إن بعض المؤرخين يميلون في العادة الى تبني آراء الجماعات التي يعيشون في محيطها أكثر مما يميلون الى تصحيح الآراء، كما يؤكد المؤرخ أرنولد توينبي في أول جملة من كتابه « مختصر دراسة التاريخ ».

ونجد أن المتأمل في النزاعات السياسية الدولية الراهنة، مثلا، يجد أن معظمها يتمحور حول «الحقوق التاريخية»، وهنا يكون المؤرخ الأكثر تأهيلا لتوصيف هذه المشاكل القائمة معتمدا على أسس منهجية دقيقة وركائز نقدية في التوثيق والتضمين والتحليل والتعليل والاستنباط والمقارنة، من أجل الوصول إلى نتائج واستنتاجات في إطار تجرد علمي.

إن فرنسا مطالبة هي الأخرى برفع السرية عن الأرشيف الفرنسي لأن الكثير من المؤرخين ينطلقون من حقيقة ثابتة وهي أن فرنسا هي التي رسمت حدود الجزائر، وهي التي ألحقت مناطق مغربية بالجزائر الفرنسية، وأن النظام الجزائري الذي تنكر للعديد من التعهدات بعد نيل «الاستقلال» يحاول اليوم مأسسة الأساطير عبر التزوير والكذب والتلاعب بالتاريخ، لأن هذا النظام الهش الذي يحاول خطابه الرسمي أن ينتقد الاستعمار ومخلفاته نجده يدافع بكل شراسة عن الحدود التي رسمها المستعمر!

إن النظام الجزائري يعلم جيدا أنه يزور التاريخ، ولا يستطيع أن يجابه الحقائق التاريخية التي ترعبه، لذا هو يبحث عن شرعية مفقودة، وذلك عبر معاداة المغرب، حيث أصبح ذلك عقيدة ثابتة لديه.

إنه وطوال التاريخ لم يكن هناك بلد اسمه الجزائر يتوفر على هذه الخريطة مترامية الأطراف الموجودة حاليا، بل الثابت هو مرسوم 22 يوليوز 1834، المعروف بمرسوم الضم (Ordonnance d’annexion ) المتعلق بالقيادة العامة والإدارة العليا للممتلكات الفرنسية في شمال إفريقيا.

وهناك وثيقة من الأرشيف الفرنسي، وهي عبارة عن مراسلة بين وزارة الحرب الفرنسية ومديرية الشؤون الإفريقية إبان الاستعمار الفرنسي للجزائر بتاريخ 14 أكتوبر 1839، تفيد بأن الجنرال شنايدر الذي أرسل الرسالة يقترح لأول مرة تسمية تلك المنطقة من شمال إفريقيا بالجزائر، وأن يجري هذا القرار على جميع الوثائق والمراسلات في ما بعد.

كما أن الخطاب التاريخي الذي ألقاه الرئيس الفرنسي “دوكول” حول تقرير مصير الجزائر يؤكد هذا المعطى، حين أكد على ما يلي: “سأطرح السؤال على الجزائريين بصفتهم أفرادا، لأنه منذ أن وجد العالم لم تكن وحدة أو سيادة جزائرية، لقد تناوب القرطاجيون والرومان والوندال والبيزنطيون وعرب الشام وعرب الأندلس والأتراك والفرنسيون على احتلال البلاد، من دون أن يكون أبدا وبأي شكل من الأشكال وجود دولة جزائرية”. وهذا الطرح التاريخي أكده مؤخرا الرئيس الفرنسي “ماكرون”، حينما شكك في وجود أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي، مشددا على ضرورة التطرق لهذه المسألة من أجل تحقيق المصالحة بين الشعوب، ومبينا « أن التاريخ الرسمي الجزائري أعيدت كتابته بالكامل، ولا يقوم على الحقائق… »

إنه نظام يقوم على خنق التاريخ…

videossloader مشاهدة المزيد ←