
الدكتور بنطلحة: المغرب والقضية الفلسطينية.. ثوابت تاريخية ودبلوماسية راسخة بقيادة ملكية

أكد محمد بنطلحة الدكالي، أستاذ علم السياسة والسياسات العمومية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بجامعة القاضي عياض بمراكش، أن موقف المغرب من القضية الفلسطينية ثابت لا يتغير، ويقوم على البحث المستمر عن تسوية عادلة ونهائية تضمن حقوق الشعب الفلسطيني على أرضه، مع المحافظة على الهوية التاريخية والحضارية للقدس الشريف، وهو الموقف الرسمي للدولة المغربية، ملكاً وحكومة وشعباً.
وفي عهد جلالة الملك محمد السادس، رئيس لجنة القدس، دأبت المملكة على جعل القضية الفلسطينية ضمن الاهتمامات الأساسية في سياستها الخارجية، حيث انخرط المغرب في كل المبادرات الهادفة لنصرة الحقوق المشروعة للفلسطينيين دون أن تحكم ذلك أية خلفيات سياسية. وترجم هذا الدعم من خلال مبادرات ملموسة عبر وكالة “بيت مال القدس الشريف” التي أنجزت خططاً وبرامج صحية وتعليمية واجتماعية للشعب الفلسطيني بإشراف شخصي من جلالة الملك. كما قادت الدبلوماسية المغربية بقيادة جلالة الملك محمد السادس مجهودات حثيثة أفضت إلى موافقة إسرائيل على فتح معبر “اللنبي” الحدودي، الذي يربط الضفة الغربية بالأردن، باعتباره المنفذ الوحيد للفلسطينيين على العالم الخارجي، مما سهل التجارة والأسفار واعتُبر وسيلة لبناء الثقة وركيزة أساسية للسلام.
وعلى المستوى الدولي، و وفقا لتصريح بنطلحة لموقع القناة الثانية ساهم المغرب دائماً في مسار الاعتراف بدولة فلسطين في الأمم المتحدة، عبر تقديم دعم سياسي كبير في محطات مصيرية، منها الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ممثلاً للشعب الفلسطيني في 14 أكتوبر 1974، وإقرار الجمعية العامة إعلان الاستقلال الفلسطيني في 15 ديسمبر 1988 واستبدال اسم “منظمة التحرير” بـ”فلسطين” في المنظومة الأممية. كما دعمت المملكة طلب العضوية الكاملة لفلسطين في 23 سبتمبر 2011، والذي أسفر عن منحها مركز دولة غير عضو بصفة مراقب، ودعمت قرار الجمعية العامة في 21 ديسمبر 2017 القاضي بدعوة الولايات المتحدة إلى سحب اعترافها بالقدس عاصمة لإسرائيل.
ويعد هذا الموقف امتداداً لإرث تاريخي عميق، فقد كان الملك الراحل محمد الخامس في سنة 1956 أول زعيم عربي يدعو إلى تحرير فلسطين والدفاع عن القضية باعتبارها قضية المسلمين الأولى، وشكلت زيارته إلى القدس آنذاك خطوة عربية جريئة. وورث المغرب مع الملك الراحل الحسن الثاني موقعاً محترماً في معركة الدفاع عن القضية الفلسطينية، وهو ما تُرجم لاحقاً في العديد من المبادرات الإيجابية وعقد قمم عربية في أزمنة حرجة إقليمياً ودولياً.
وتؤكد المعطيات التاريخية يقول بنطلحة أن دعم المغرب للقضية الفلسطينية يمتد إلى ما هو أبعد من ذلك، إذ يعود إلى القرن السابع عشر، حيث شارك المغاربة المقيمون في القدس في محطات تاريخية ناصروا فيها الفلسطينيين ودافعوا عن المدينة المقدسة. كما تبرع تجار مغاربة بممتلكات لصالح أسر فلسطينية، ولا تزال وثائق ملكيتها متوارثة إلى اليوم رغم مضي أكثر من قرنين، وهي وثائق أبرمت بين أجدادهم وتجار مغاربة كانوا يفدون إلى القدس بعد مواسم الحج.
ويشهد الملاحظون والمهتمون أن الدبلوماسية المغربية، بقيادة جلالة الملك، أبانت عن حنكة وتبصر من خلال سياسة تدبيرية ذات رؤية استشرافية تحمل قدراً كبيراً من الواقعية السياسية والحكمة. ويستند هذا الدور المحوري للملك في صناعة وتدبير السياسة الخارجية إلى مكانته السامية التي يكرسها الدستور المغربي، بدءاً من دستور 1962 وصولاً إلى دستور 2011 المعمول به حالياً.
وخلص الخبير أن الفصل 42 من الدستور ينص على أن “الملك، رئيس الدولة، وممثلها الأسمى، ورمز وحدة الأمة، وضامن دوام الدولة واستمرارها”، كما أنه يسهر على احترام التعهدات الدولية للمملكة. ويشير الفصل 49 إلى أن المجلس الوزاري الذي يرأسه جلالة الملك يتداول في التوجهات الاستراتيجية لسياسة الدولة. ويؤكد هذا المنطوق الدستوري حسب بنطلحة أن مجال السياسة الخارجية محفوظ للملك، يدبره بناءً على الثوابت الوطنية والمصالح العليا للبلاد، وهو ما يلزم جميع الفرقاء السياسيين بالانسجام مع المواقف الخارجية المغربية. وبناءً عليه، لا يجب أن تنساق بعض الهيئات السياسية إلى التوظيف السياسوي للأحداث الدولية عبر التلاعب بالوعي العام والركوب على قضايا حساسة، فالمؤسسة الملكية تسعى دائماً إلى التذكير بضوابط الحياة السياسية التي يجب أن تكون في خدمة مصالح الوطن العليا، لأن جلالة الملك هو ضامن الدولة واستمرارها.
مشاهدة المزيد ←









